الإصلاح السياسي من جديد.. ما الذي تغير؟

 

انتهت حكومة الدكتور عمر الرزاز وقد كانت أولويتها اقتصادية بحتة. صحيح أنها لم تحقق نجاحا، هي ومن سبقتها من حكومات، لكن في الواقع أن كل عملها كان ينصب على هذا الجانب. لم تتطرق عمليا لا من قريب أو بعيد للإصلاح السياسي.
حكومة الدكتور بشر الخصاونة بدأت عمرها في الجانب ذاته، لكن بموازاة ذلك، فرضت عليها جائحة كورونا التركيز على الملف الصحي. هل هذا كاف؟ بالطبع ليس كذلك، فالإصلاح السياسي لا يقل أهمية عن الجانبين؛ الاقتصادي والصحي، لأن مواصلة تهميش هذا الجانب لها كلف كبيرة من جميع النواحي.
ركائز الإصلاح السياسي الأساسية باتت معروفة للجميع، ويتحاشاها الجميع أيضا؛ إذ تقوم على تعديل قانوني الأحزاب والانتخاب، وإطلاق الحريات العامة بما يشمل تعديل القوانين التي تحد من تلك الحريات، وإعادة تفعيل النقابات المهنية التي لطالما كان لها دور أساسي في الحياة العامة، فقد أثرت في القرارات، وغيرت في التوجهات، ولعبت دورا سياسيا ووطنيا بامتياز.
قانون الانتخاب هو مفتاح التطور السياسي في الأردن. ليس تقليلا من شأن وجود أحزاب قوية قادرة على التأثير الإيجابي سياسيا واجتماعيا، وحتى اقتصاديا، لكن لا يكفي تعديل قانون الأحزاب لجعل هذه المؤسسات السياسية فاعلة، كونها تحتاج هي في ذاتها لإصلاح تركيبتها الداخلية، وأنظمتها وبرامجها، لجذب شرائح المجتمع المختلفة إليها، خصوصا الشباب، ولتكون مقنعة وقادرة على زرع بذور الإيمان بها في المجتمع. ومن المفيد القول إن هذا يحتاج إلى سنوات طويلة من العمل والجهد. في المحصلة يجب أن نبدأ.
لكن، ماذا عن الحياة السياسية في الجامعات؟ إنها اليوم في أضعف حالاتها. الطلبة لا يكترثون للسياسة، ولا يؤمنون بالأحزاب، ولا يحملون فكرا سياسيا معينا، وأغلبهم لا يشاركون في انتخابات اتحادات الطلبة، ولربما لم يشاركوا في الانتخابات النيابية. لم نعد نشاهد صراعا إيجابيا بين أطياف سياسية مختلفة في الكليات الجامعية.
من جديد يذكّر الملك بهذا الملف، وهو مدرك لأهميته على الصعيدين؛ الداخلي والخارجي، خصوصا مع التغيرات التي من المتوقع أن يشهدها العالم في ظل الإدارة الأميركية الجديدة، وعزمها إعادة بناء التحالفات من جديد، وهو ما أكده الرئيس الأميركي بايدن في خطاب تنصيبه.
الرئيس الأميركي السابق ترامب غير ملامح هذه التحالفات طيلة فترة وجوده في البيت الأبيض، وهي الفترة التي شهدت فتورا في العلاقات مع الأردن، بل ضغوطا غير مسبوقة على عمان للتراجع عن بعض مواقفها، والقبول بما لا يمكن قبوله. اليوم في ظل إدارة بايدن لا شك أن بعض المفاصل ستعود إلى طبيعتها، وهذا يتطلب بث الروح من جديد في ملفات داخلية مهمة، وعلى رأسها الإصلاح السياسي.
ليس سهلا على حكومة الخصاونة أن تتبنى الملفات الرئيسية الثلاثة؛ اقتصاد، صحة، وإصلاح سياسي، لكن لا بد أن تتكاتف جميع المؤسسات لتهيئة الأجواء لإحداث تغيير في نوايا التعامل مع الإصلاح السياسي، وإعادة ترتيب البيت الداخلي؛ بدءا من الطلبة، ومرورا بفكر الشباب، وتحفيز الأحزاب الحقيقية، والنقابات المهنية، والحريات، وخلق بيئة تشريعية تسهم في وصول النائب القوي.
هذه الملفات ليست سهلة على الحكومة في ظل التحديات الراهنة، لكن الأمر غير معقد، ولا يحتاج إلى معجزة من أجل تحقيقه. كل ما هو مطلوب أن تضع الحكومة الأوراق كافة على الطاولة، والبدء بما يعد أولوية.

أخبار أخرى