رغم أنني اعمل في الصحافة الاقتصاديّة منذ ما يقارب 25 عاماً وترقيت في كُلّ مناصبها ومستوياتها الإدارية والصحفية، إلا أنني اشعر بالخجل الشديد عندما يتم التعريف بي خلال لقاء صحفي أو تلفزيوني بالخبير الاقتصاديّ، فأنا لا استحق هذا اللقب أبداً، واكتفي بتصويب الوضع بوصفي كاتباً او صحفياً اقتصادياً وفي ابعد الحالات اقتصره إلى محلل اقتصاديّ.
في الآونة الأخيرة اعتدنا على سماع ألقاب وأوصاف اقتصاديّة ووطنية على افراد وشركات بطريقة عجيبة وغريبة، لدرجة ان القارئ او المستمع يشعر بالغبن.
هذه الأوصاف في غالبيتها ليس لها اساس علمي او عملي، وفي الغالب تطلق لأغراض شخصية تخدم مصالح ضيقة، وللأسف ان الإعلام سرعان ما يقع في هذه الأخطاء الدارجة، وهو الأكثر توزيعا للالقاب على من يلتقيهم او يرصد آراءهم في الصحف او يستضيفهم في برامجه المتعددة على الفضائيات.
فوصف خبير اقتصاديّ بات يطلق على أي شخص يتحدث بالشأن الاقتصاديّ على وسائل الاعلام، لدرجة أننا بتنا نشاهد اشخاصا لا تتجاوز اعمارهم منتصف عقد الأربعينيات، ولم تتعد خدمته في القطاعين 15 مجتمعة ويطلق عليه وصف خبير اقتصاديّ.
الأمر لم يقتصر عند هذا الحد بل ايضا بتنا نشاهد شبابا في مُقتَبل العمر وعليهم مشاكل أمنيّة، بل ان بعضهم قضى فترات طويلة في السجن والآن يطلق عليه خبير اقتصاديّ، علماً انه لا يعمل، ولو كانت له خبرة اقتصاديّة لأفاد بها نفسه قبل ان يخرج وينظر على الشعب.
وكلمة خبير نفطي باتت أيضا تطلق علي اي شخص يتحدث في قطاع الطاقة، لمجرد انه عمل في هيئة معينة للطاقة لفترة محدودة للغاية، او انه كان لديه محطة محروقات او ما شابه ذلك، والأمر لا يختلف عن باقي التخصصات مثل الطبية والقانونية وغيرها.
كلمة خبير تعني لي شخصيا ان هذا الشخص عمره قد تجاوز العقد السادس من عمره على أقل تقدير، ودراسته الأكاديمية جعلته يؤلف عشرات الكتب والابحاث المنشورة في مختلف المجلات الدوليّة ومراكز الأبحاث العالميّة، وعمل لعقود طويلة في مجال محدد من العمل، لدرجة انه بات متخصصا فيه، ما قد يؤهله لإطلاق وصف او لقب خبير.
وأوصاف وطنية باتت ايضا تطلق على الشركات والمؤسسات التي يتم تداولها في الاعلام، وهذا وصف محير للمراقب، فكلمة وطنيّة تطلق على اي جهة أرادت وسائل الإعلام وصفها بهذا الوصف دون معرفة المعايير التي اعتمدت لإطلاق مثل هذه الأوصاف.
فهل كلمة وطنيّة في الشركات التي للحكومة فيها أسهم مؤثرة في قراراتها ؟ ان الأمر يناط بتلك الشركة وأهميتها للاقتصاد بشكل عام، او يتعلق الأمر بحجم مبيعاتها او أرباحها، او نسبة المساهمين المحليين، وكُلّها معايير مهمة، لكنها في النهاية لا يمكن ان تفرق بين شركة واخرى في الاقتصاد بناء على ملكيتها الأساسية، وكلمة وطنية هنا تطلق حسب تاريخها وقوتها الاقتصاديّة في المملكة وقوتها التشغيليّة والتسويقيّة وطبيعة علاقتها مع باقي مؤسسات الدولة وارتباطاتها بالسياسات العامة.
هذه الأوصاف والالقاب التي توزع بالمجان على غير مستحقيها، تعطي انطباعاً زائفا للمشاهد او المستمع او القارئ، الذي قد يحتاج إلى معرفة واستقصاء مسبق حتى يكون قادراً على كشف حقيقة المتحدث والكاتب الذي أمامه، ولكن المؤسف ان يكون الاعلام الذي من المفترض ان يكون الأكثر حرصا ودقة في إطلاق الأوصاف على من يستضيفهم، هو الأكثر وقوعاً في هذه الأخطاء.