ماجد توبه
في الوقت الذي تمعن فيه اسرائيل في ارتكاب المجازر والابادة بحق الشعب الفلسطيني، وفيما يغرق الكيان أكثر في الانقسامات الداخلية بين نخبه السياسية والرسمية، تتعمق في القلب من هذه الأزمة المركبة في المجتمع الاسرائيلي أزمة أخرى لا تقل خطرا وتهديدا على بنيان هذا المجتمع اللقيط، الا وهي اتساع ظاهرة الانتحار بين جنوده وأفراده واتساع انتشار الامراض النفسية والعقلية واضطرابات ما بعد الصدمة جراء حالة الحرب والقلق والاستنزاف النفسي كلما طالت الحرب.
الصحافة الاسرائيلية تطفح بالدراسات والاراء الطبية المختصة والتقارير التي تتحدث عن تعمق المشاكل النفسية والعقلية المرتبطة بالعدوان على غزة وطوفان الأقصى، الى الدرجة التي دعت فيها هيئة مديري المستشفيات النفسية باسرائيل مراقب الدولة الى ضرورة اعلان حالة الطواريء النفسية والعقلية، وما يستتبع ذلك من زيادة موزانات ومرافق الطب النفسي للتعامل مع اتساع الامراض النفسية والعقلية بين الجنود والمستوطنين ايضا.
وكشفت دراسة نشرتها صحيفة طيديعون احرونوت” عن ارتفاع كبير في استخدام الاسرائيليين الحبوب المنومة والحشيش والكحول والمهدئات المسببة للادمان، للتعايش مع حالات التوتر الحاد الذي اتسع بصورة كبيرة بعد طوفان الاقصى واستمرار الحرب، ومن اعراض هذا التوتر الاكتئاب والكوابيس ومحاولة الهروب من الواقع واعراض جسدية ونفسية اخرى.
وحسب تقديرات دراسة اسرائيلية لجامعة يافا فان 40% من الاسرائيليين باتوا يعانون من الاكتئاب وان 30% يعانون، حسب دراسة اخرى، من اضطرابات ما بعد الصدمة. واشارات الدراسات الى ان فئة الشباب هم الاكثر تاثرا بهذه الاضطرابات.
وهذه المشكلة تتعمق اكثر بين جنود الاحتلال وايضا بين مستوطني غلاف غزة والشمال الفلسطيني ممن اضطروا الى النزوح من مناطقهم مع اندلاع الحرب وطوفان الاقصى وتحول الغلاف والشمال الى منطقتين طاردتين للمستوطنين جراء القصف والاشتباكات المتواصلة مع المقاومتين الفلسطينية واللبنانية.
وسجل في اسرائيل منذ 7 اكتوبر الماضي وانطلاق طوفان الاقصى مئات حالات الانتحار ومحاولات الانتحار بين الجنود وبين المستوطنين، فيما يتوقع المختصون ان تتزايد هذه الظاهرة اكثر مع مرور المزيد من الوقت وتراكم الخسائر البشرية الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع الاسرائيلي، الذي فقد حالة اليقين بالمستقبل وتهشمت الثقة لديه بثوابته ومؤسساته الامنية والعسكرية والسياسية، وبات المستقبل بالنسبة له يحمل احتمالا لالف طوفان اقصى وتحطم الثقة بالقدرة على الردع الذي يحقق الامن والاستقرار.
لم تعد تجدِ العربدة الاسرائيلية في الاجواء وقصف المدنيين بغزة والضفة الغربية والحديث الكثير عن النصر الذي يتحقق على الارض بمواجهة الشعب الفلسطيني والمقاومة في اخفاء تراكم الازمات الوجودية التي باتت تنخر المجتمع الاسرائيلي وتاكل في اساساته، وما يفاقم هذه الازمات ما يتكشف يوميا للاسرائيليين من انفصال النخبة السياسية والعسكرية وعلى راسها نتنياهو عن الواقع، وبحثها عن خلاصات فردية والهروب من المساءلة والمحاسبة دون اهتمام حقيقي بمصالح الكيان ومجتمعه واسراه.
حقا.. هي حرب الوجود الأخطر التي يواجهها الكيان الغاصب، وحرب الخسائر الاستراتيجية التي تلحق بهذا الكيان رغم كل فائض القوة لديه وكل الدعم الغربي المتواطيء.