من بين جميع التزامات الحكومة في بيانها للثقة يكاد التأمين الصحي الشامل أن يكون الوحيد الذي يمكن الإمساك به والمحاسبة عليه كمشروع واضح محدد يكون أو لا يكون تشريعيا وإجرائيا. وما يمكن ان يطلبه النواب من الحكومة هو الالتزام بسقف زمني محدد لإنفاذ المشروع. وبالمناسبة فالدراسات الاكتوارية أنجزت من سنوات والصيغ المقترحة للمشروع قتلت بحثا، ولم يبق سوى أخذ القرار والبدء بالتنفيذ.
ارتبط المشروع بأكثر من صيغة من بينها إحياء فكرة توحيد مستشفيات القطاع الصحي العام (الحكومية والعسكرية والأكاديمية) في مؤسسة واحدة مستقلة وتحويل مديرية التأمين الصحي في الوزارة الى مؤسسة مستقلة وربما ثمة افكار اخرى لم أطلع عليها وأواكبها، لكن ما اريد التنبيه له أننا اذا أخذنا بهذا المدخل الأضخم فقد يتجرجر المشروع وسط تباين الآراء والتردد في الأخذ بهذه المشاريع فلا نصل أبدا الى نتيجة. والمطلوب هو صيغة فورية ومباشرة لتطبيق التأمين الصحي الشامل ضمن الواقع القائم مع اي تعديلات متدرجة وتوافقية قابلة للتنفيذ على هيكل النظام الصحي.
لكن ما هو التأمين الصحي الشامل اليوم ؟ هو ببساطة تمكين تلك الفئة التي ما زالت خارج اي صيغة للتأمين الصحي ونسبتها تراوح بين 15 – 20 % من الاشتراك الاختياري في التأمين الصحي الحكومي أكان فرديا أو من خلال المؤسسات التي يعملون لديها. وأغامر شخصيا بالقول ان كلفة هؤلاء لن تكون اكثر من كلفة الإعفاءات الكريمة جدا والمقدّرة من الديوان الملكي للمواطنين غير المشمولين بالتأمين الصحي وهي تراوح على ما اعتقد حول 150 مليون دينار. وهناك وسائل اضافية لقليص الهدر وتوفير التمويل المطلوب للتوسع بالتأمين الصحي منها الوصول الى الرقمنة الكاملة في السجلات والتشبيك بين جميع المرافق الصحية العامة وانهاء الازدواجية والقضاء على الاستغلال والهدر والفساد في الأجهزة والأدوات والدواء وفي العطاءات والتخزين والتداول.
الآن بوجود العدد الاضافي الواسع من الاسرة والمستشفيات الميدانية بفضل كورونا ويمكن القول ان البنية التحتية توسعت لاستيعاب مشروع التأمين الصحي الشامل وهذا لا يمنع التشبيك أيضا مع القطاع الخاص لكن بشروط وآليات للرقابة ومنع الاستغلال وضمان الحدّ الأدنى من الكلفة. ومن ذلك وضع نسبة يدفعها المؤمن عليه كما يتم حاليا مع المستشفيات الجامعية. بل يمكن الآن تعميم النسبة لتشمل التأمين الممتاز للوزراء والنواب والأعيان ومن ماثلهم في الدرجة الذين يختارون العاج في المستشفيات الخاصّة دون ان يدفعوا فلسا واحدا!! وهذا لعمري أمر لا يفتقر للعدالة فحسب بل باب للهدر رهيب . لا اقول هذا لأنني شخصيا لم اعد نائبا يتمتع بهذا الأمتياز فقد كان الأمر يغضبني إيما غضب في حينه. وكنت الفت الانتباه بإستمرار لهذا الباب المفتوح (لمن يشاء) لممارسة الاستغلال وقلّة الضمير تجاه المال العام، وأدعو لتعديل النظام بحيث يدفع هؤلاء اذا اختاروا العلاج في المستشفيات الخاصة نسبة 20 % مثلا. وبالمناسبة أيضا دعوت مرارا وتكرارا لوجود نسبة مهما كانت ضئيلة يدفعها المؤمن عليه في مؤسسات القطاع العام لمنع الهدر وضبط الخدمة.
هناك الكثير من الأفكار لتقليل الهدر والكلف وتعظيم المردود ورفع الكفاءة ويمكن ربط ذلك أيضا بنظام الفوترة الالكترونية ومكافحة التهرب و» التجنب» الضريبي، وقد يكون إنجاح مشروع التأمين الصحي مناسبة وحافزا للإقدام على كل هذا وهو على كل حال سيكون «امتحان كفاءة « للحكومة نأمل ان تنجح به.