“فكونا.. بلا انتخابات بلا هم!”

العبارات التي يمكن ان تسمعها من بعض من تتحدث معهم او تستمع لاتجاهاتهم نحو الانتخابات القادمة تدور حول “فكونا يا شيخ.. اي انتخابات، نتائجها معروفة. او شو بدهم يعملوا النواب، ما راح يختلفوا عن اللي سبقوهم”. لا أحد يعترض على حق المواطن باتخاذ الموقف الذي يراه مناسبا فمن أراد ان يقاطع او يشارك يمارس خياراته. لكن السؤال الملح هو حول دورنا جميعا عندما تشتد المحن. في التراث الاردني شعر وامثال وقيم عبر عنها الشاعر الزيودي بقوله “عساك دايم شديد الحيل..عزيز يا الأردن الغالي.. ولن ثقل حملك نشيلك شيل.. ونميل الراس بعقالي”.
الاوقات الصعبة مناسبات فريدة لمواجهة الاسئلة الكبرى. في هذه الايام نواجه مستقبلا غامضا قادتنا اليه عوامل كثيرة، بعد قبولنا ان تدار شؤوننا بعيدا عن اعيننا فوجدنا انفسنا في ازمة صحية ضاقت بها مستشفياتنا بمرضانا وازمة اقتصادية اصبح فيها الرغيف منى لبعض الافراد وتقلصت فيها الاعمال وزادت اعداد المتعثرين واستمررنا في اللامبالاة وترك ساحة العمل العام لبعض من يرون ان المقاعد يمكن الوصول اليها دون اشتراطات الوعي والاستعداد.
بعد ثلاثة ايام ووسط حالة من القلق على الاوضاع الصحية ومخاوف من امكانية انتشار العدوى ستفتح مراكز الاقتراع في محافظات المملكة ودوائرها الانتخابية الثلاث والعشرين. في بعض الدوائر التي اتخذ فيها التنافس طابعا عشائريا يوجد حماس كبير للمشاركة. وفي دوائر اخرى يكون الحماس اقل، فالناس متخوفون ولا يرى البعض منهم جدوى من اعادة التمرين والحصول على نفس النتائج.
في معظم مناطق البادية والريف ينظر الناس للانتخابات باعتبارها مناسبة لانتعاش العلاقات وترميم التصدع الحاصل فيها في اقل من شهر يعمل الجميع على تأكيد او تجديد ولاءاتهم العشائرية والانتقام من خصومهم واعادة التموضع على الخريطة الاجتماعية الانتخابية في مناطقهم.
التصويت في هذه المناطق محكوم بمعايير لا ترتبط كثيرا بدور النائب بمقدار ما تعكس العلاقة التي تنشأ بين المترشح والناخب. الكثير من الناخبين يستقبلون المترشحين في دوائرهم. بعض الناخبين يستمتع كثيرا بهذا الموسم فقد يعاد له التقدير والاهتمام وينادى باسم الابن الاكبر ويتبارى رفاق المترشح الزائر في استذكار مواقفه وسيرة العائلة الامر الذي قد ينعش روحه المعنوية ويزيد من تعنته لكي يحصل على مزيد من الرعاية والاهتمام الذي يعرف انه موسمي ينتهي بعد ان يودع ورقة اقتراعه في الصندوق.
في المدن التي تتعدد فيها الدوائر هناك احساس بأن نسبة التصويت ستكون ضئيلة كما كانت في الاعوام السابقة. الكثير من الناس لا يرون ان الانتخابات ستختلف عن سابقاتها ويستدلون على ذلك بترشح غالبية اعضاء المجلس السابق.
التخوف من اعادة انتاج نفس النماذج من النواب واستمرار المجلس على نفس وتيرة العمل والتوقف عن احداث اي اصلاحات تلامس الاقتصاد ونوعية الحياة ووجود تساؤلات حول اوضاع وحريات وحقوق التعبير والعمل والاستثمار والخدمات، مطالب تشكل هاجسا للمواطن وتغيب التي باتت هاجسا مخيفا للجميع قضايا مقلقة للناخب وتتطلب تطمينات.
لا أظن ان الاردني قلق على كم سيقضي من الوقت للادلاء بالصوت بمقدار ما هو قلق على مستقبل العمل البرلماني وتغير معايير الدخول الى المعترك والاساليب التي يلجأ لها المترشحون. ما يثير فضولي غياب الاجهزة الرقابية عن المشهد الذي تطور الى سوق اسود للتجارة في الارادة واستلاب الحق في التقرير لحساب مجموعة فاسدة من المترشحين الذين يتلفعون بعباءات متنوعة.
الاجراءات التشجيعية للمواطن للانخراط في العملية الانتخابية لا تتأتى من صرف النظر عن الممارسات المشينة التي يقوم بها البعض بانتظار ان يأتي المواطن بالأدلة والبينات. من المهم ان نفعل ادوار اجهزتنا الامنية والرقابية لخلق الطمأنينة ولكي لا يبقى غالبية الناس بعيدا عن العملية الانتخابية التي اصبح من المهم انجاحها شكلا ومضمونا.
خلال الاسبوع ومع معاناة الولايات المتحدة وشعبها من اشد واقسى جائحة في تاريخهم شارك اكثر من 66 % من الاميركان في الانتخابات الاميركية ليسجلوا اكبر نسبة مشاركة منذ اكثر من 120 عاما. في الازمات والمصائب والمحن يحتاج الوطن الى مشاركة الجميع ولا ينقذه التنحي والابتعاد والنأي بالنفس.

أخبار أخرى