صدى الشعب – كتبت د.آمنة الريسي
أصبح العالم يعيش في تسارع وهذا التسارع ولد العديد من التحديات والمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثورات في التعليم والتكنولوجية. تيقظت مختلف القطاعات لهذا التسارع، فأصبحت تسعى لإيجاد حلول سريعة لمواكبة هذا التغيير ولمواجهة التحديات الناتجة عنه.
أصبحت هذه القطاعات اليوم بحاجة إلى منهجية وفكر جديد يلائم سرعة النمو والتطور الذي يشهده العالم يوما تلو الأخر، هذا الفكر متناسب ومنسجم مع البيئة الداخلية والخارجية للمجتمع وفي ذات الوقت متكيف مع التغيرات الحديثة التي تركز على الأفكار الإبداعية والابتكار والتمتع بمهارات وكفاءات عالية.
إحداث هذا التغيير وبلورته وفقا لمنظومة أخلاقية تتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا ليس بالأمر السهل، فهو يتطلب الكثير من الجهد والبحث والعمل الجاد للوصول إلى مراحل متقدمة من النمو والتطور.
إذا لم تسارع المؤسسات لمواكبة التغيير المتسارع والانسجام مع معطياته بالعمل الجاد، فستصبح مصدراً للرتابة والروتين الممل وبالتالي ستكون بعيدة عن الإبداع والتجدد والعمل وفق تحول الأفكار الابتكارية لواقع.
أصبح من الصعب معرفة ما يحمله المستقبل للمؤسسات بمختلف قطاعات الدول، إذا أن عجلة التغيير ما زالت تعمل بوتيرة مخيفة، وبالتالي فإن بيئات العمل أصبحت متغيرة ومعقدة وهذا يتطلب من المؤسسات البقاء في حالة مواجهة مستمرة مع التحديات الناتجة من هذا التغيير لتحقيق الاستدامة والبقاء.
ترى الكاتبة أن المسؤولين ومتخذي القرار لأبد أن يكونوا من ذوي الكفاءات الإدارية والقيادية العالية لضمان ديمومة مؤسساتهم.
قدم جون كوتر وهو أستاذ في كلية هارفرد للأعمال نموذج كوتر للتغيير في كتابه “قيادة التغيير” عام ١٩٩٥ بهدف مساعدة القيادات على أحداث تغيير جاد داخل مؤسساتهم وتجاوز شعور عدم الارتياح والرهبة الذي يتزامن مع أي تغيير يحدث. هذا النموذج يتكون من ثمان مراحل، ويرى كوتر أن إهمال أي مرحلة من هذه المراحل يؤدي إلى الغاء عملية التغيير بأكملها. وأكد كوتر أن عملية التغيير ليست بسيطة ولا سريعة وأن لأبد من التخطيط والتحضير الجيد لها.
المراحل الثمان التي تمر بها عملية التغيير بحسب نموذج كوتر هي:
المرحلة الأولى: توليد إحساس بالحاجة الملحة إلى التغيير، فمهمة القائد في هذه الخطوة هو توليد شعور داخل الموظفين بالحاجة الملحة للتغيير، هذه الخطوة تساعد في إثارة الدافع الأولي لتحريك الأشياء ويتم ذلك من خلال الحوار والنقاش الصادق والمقنع حول ما يحدث في السوق ومع المنافسين.
المرحلة الثانية: تشكيل تحالف داخلي قوي، وهنا القائد بحاجة للموظفين ذوي الخبرات والمهارات القادرين على العمل وفق فاعلية لأنهم قادرين على نشر رسائل تدعم التغيير في المؤسسة من خلال سلوكياتهم. فتفويض المهام لهم والتعاون معهم يساعد في إنجاح التغيير.
المرحلة الثالثة: وضع رؤية واستراتيجية للتغيير، وأَعلام جميع الموظفين بهذه الرؤية من خلال دعم التحالف الذي تم تشكيله في المرحلة السابقة وسد الباب أمام المعارضين الذين سيحاولون عرقلة تحقيق هذه الرؤية.
المرحلة الرابعة: نشر الرؤية عبر الاتصال الفعال، وإيصالها للموظفين بشكل متكرر وبقوة عبر الاجتماعات ومن خلال اتخاذ قرارات وحل مشكلات معتمداً على هذه الرؤية.
وعلى القائد أن يُظهر إيمانه بهذه الرؤية من خلال حماسه وحرصه قولا وفعلا على تحقيق الأهداف الجديدة للمؤسسة.
المرحلة الخامسة: إزالة العوائق أمام التغيير. سيواجه القائد مجموعة من الموظفين الذين سيعملون على مقاومة التغيير ولن يحدث التغيير بهدوء وسهولة وبدون مقاومة ولن يرحب بالرؤية الجديدة عدد كبير من الموظفين، كذلك فقد تكون السياسات والإجراءات الداخلية في المؤسسة أيضا سببا في مقاومة التغيير. على القائد في هذه المرحلة العمل مع فريق التحالف لإزالة هذه العقبات بالاستعانة بالمصادر المتوفرة لديهم.
المرحلة السادسة: تحقيق مكاسب قصيرة المدى، وذلك لأن عملية التغيير تستغرق وقتاً طويلا لتحقيق الأهداف المرغوب بها لذا فمن الضروري وضع أهداف قصيرة المدى لأبقاء الموظفين متحفزين وللاستمرار في إرشادهم وتوجيههم.
المرحلة السابعة: ترسيخ التغييرات والدفع نحو المزيد، فالمكاسب السريعة ما هي إلا بدايات النجاح الطويل الأمد ولذلك على القائد مواصلة البحث عن التحسينات في المؤسسة وعدم الوقوف عند النجاحات الصغيرة.
المرحلة الثامنة: ترسيخ التغييرات في ثقافة المؤسسة، وهنا يعمل القائد على ترسيخ ثقافة التغيير وتشجيع الموظفين الجدد على تبني التغيير وتعزيزه داخل المؤسسة وأظهار قيم التغيير والرؤية متحققة في العمل اليومي للمؤسسة.
بالرغم من صعوبة قيادة التغيير إلا أن التغيير أصبح ضرورة من ضروريات العصر الحالي المتسارع ولا يوجد خيار أخر لدى المؤسسات سوى محاولة أحداث تغيير حتى ولو لم ينجح.
فالباحثون وصناع القرار أصبح لهم دور حيوي من خلال مشاركتهم في القضايا ذات الصلة، وتستمر الأبحاث والدراسات في تقديم مناهج ونماذج مختلفة محاولة منهم للتكيف مع المتغيرات في مختلف القضايا.






