تتشاغل النخبة السياسية في الأردن، بحكومة الخصاونة، واذا ما كانت هذه الحكومة، سوف تجري تعديلا وزاريا قريبا بحيث يخرج وزراء، ويدخل وزراء جدد، أم ان شخصية جديدة سيتم تكليفها برئاسة الحكومة في الأردن، في توقيت ما، يتركز على الاغلب على شهر تشرين الأول.
في كل الأحوال، هذا التشاغل يعبر عن أكثر من قصة، اذ ان هناك خصوما للرئيس يريدون تغييره لاعتبارات شخصية، وليست سياسية، من أجل ازاحته عن موقعه، بذرائع شكلية لها علاقة بتقييم أداء حكومته، وهناك فريق آخر يعتقد بشكل موضوعي ان الحكومة منخفضة الأداء وتتجنب الإضاءة ويصفونها بحكومة ال low profile، أي ان الحكومة تتجنب الظهور، رئيسا وطاقما، وتميل الى الابتعاد عن المشهد العام، للتخفيف من كلفة التحرك والظهور، ويريد هؤلاء أيضا تغيير الحكومة، او في حالات اخراج وزراء محددين، وهناك فريق ثالث يعتقد ان تغيير الوصف الوظيفي لكل المؤسسات بات واضحا في الأردن، لان كل المؤسسات باتت تميل برؤوسها الى التهدئة العلنية، والتواري بعيدا عن الاعين القادحة جمراً، من اجل السلامة الشخصية، ومن اجل الاستمرار لفترة أطول، خصوصا، في ظل التجاذبات المعلنة وغير المعلنة، بين اطراف كثيرة، وهناك فريق أخير ليس لديه اجندة، لا يفرض رايا لكنه يتحدث عن ضرورة التقييم، بشكل موضوعي، وعدم الاستعجال في الحكم على الحكومة، ومراعاة الظروف التي تمر بها، ويمر بها كل الأردن، وهؤلاء يريدون منح الحكومة عمرا أطول، والتعديل على سياساتها، دون استعداء، او إيذاء، او تصفية حسابات شخصية، او سياسية.
هذا المشهد ليس غريبا، فالكل يحاول ان يستبصر غامض الغيب، ليعرف ماذا سيحدث ما بعد توقيت انجاز اعمال لجنة تحديث المنظومة السياسية، او قبيل افتتاح البرلمان في دورته العادية المقبلة، والتصادم هنا واضح، فالبعض يؤمن بضرورة ان تنجز ذات الحكومة حزمة التعديلات على القوانين السياسية، وفي عهدها، والبعض يريد توظيف التوقيت لإجراء تغييرات شاملة في الأردن، تحت عنوان يقول ان الأردن يدخل مرحلة جديدة، بحلة جديدة!.
يتحدى العارفون بأسرار الطوابق العليا في عمان، وسط كل هذا الخضم، اذا كانت الأمور قد حسمت أصلا، نحو أي سيناريو، وهذا يعني ان لا شيء معروفا بعد، وكل شيء محتمل، لان القرار لم يتم اتخاذه حتى الان، وان كان البعض يلمح صراحة الى ان لا نية – حتى الان- لتغيير أي شيء على مستوى الحكومة برمتها، وان الميل الى تجفيف شهوات السياسيين في الأردن، بات سياسة، من خلال تثبيت كل شيء، وعدم الانجرار وراء التحشيد من اجل التغيير.
نحن هنا، لسنا أصحاب القرار بالطبع، لكن الأهم، يتعلق بأمرين، وعلى أساسها يجب تقييم كل الموقف، إيجابيا او سلبيا، أولهما الملف الاقتصادي، وقدرة الحكومة برمتها على ادارته، واذا ما كان هناك حسنات لهذه الحكومة، او سيئات، والثاني الوضع الاجتماعي-الاقتصادي العام، حين لا يأبه اغلب الأردنيين بكل قصص التعديل والتغيير، ويعبرون علنا عن حاجتهم الى حلول مشاكلهم، بطريقة مختلفة، بدلا من تشاغلهم بقصص الكراسي الدوارة في الأردن، وهي قصص باتت ثقيلة على القلب، ولا تجد اردنيا يهتم بها، الا من زاوية علاقاته الشخصية، باسم ما، او منافسته، او مزاحمته او كيده لشخص ما، في ظلال هذا المشهد المتوارث.
كل هذا يقودنا الى السؤال الذي يتجاوز الحكومة، والبرلمان، وكل تفاصيل حياتنا، والسؤال يقول هل هذا هو الأردن الذي نريده؟، وما هو الأردن الذي نريده؟، وبأي سياسات وأسماء سندخل الأردن الذي نفترضه؟، وأين هي أخطاء الكل في الأردن الحالي؟، وهي أخطاء لا تستثني أحدا فينا، حتى نتخلص من ثنائية الجاني والضحية، ونعيد التفكير بهذا البلد، وحياتنا فيه، والى اين تأخذنا كل الظروف وسط تحديات إقليمية، ومخاطر، وازمات، وعلى ضوء الإجابة على السؤال- اذا توفرت بطبيعة الحال- لدى من يهمه الامر، تصير التوقعات حول استقرار الحكومة، وغيرها من مؤسسات، امرا ممكنا، ومفهوما، وسهلا، ومفسرا للجمهور أيضا.
دون ذلك، نحن كمن يغلي الماء، ثم يستمطر بخاره من فوق راسه، ثم يقنع نفسه انه استسقى الماء، ويعيد شرب الماء الذي كان امامه في الأساس، قبل ان يغليه في سماء عمان وشقيقاتها!