يعيش العالم الآن في خضم حالة طوارئ تعليمية عالمية. ثمة مليار طفل خارج المدرسة بسبب أزمة “كوفيد-19″؛ ومن بين هؤلاء، فقدَ ما يقرب من 400 مليون إمكانية الحصول على وجبات مدرسية مجانية. وتخلف الكثير من الصغار عن التعلم وفقدوا بنية الروتين الذي ألفوه في المدارس. وبالنسبة لأولئك الذين يعيشون في أسر يعانون فيها مهن سوء المعاملة، كانت المدرسة مكانًا آمنًا حيث يمكنهم الوصول إلى بالغين داعمين. وبينما تتعلم البلدان كيف تتعايش مع حقيقة فيروس كورونا، فإن إعادة فتح المدارس تعد من أكبر التحديات التي تواجهها.
في المملكة المتحدة، لا يتعلق الجزء الأصعب من هذا كله بفتح المدارس، وإنما بضمان بقائها مفتوحة في المستقبل المنظور. وكما أظهرت تجارب إسرائيل والعديد من الولايات في الولايات المتحدة، فإنه إذا قفزت الحالات بسرعة وكان انتقال العدوى المجتمعي مرتفعًا، يصبح من الصعب إبقاء المدارس مفتوحة. ويمكن أن يؤدي تواصل التفشيات وتصاعد حالات الإصابة بـ”كوفيد-19” داخل المدارس أيضًا إلى إضعاف ثقة أولياء الأمور والمعلمين، وتحفيز التحرك نحو التعلم عبر الإنترنت: في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يقول واحد فقط من كل سبعة من الآباء أن أطفالهم يعودون إلى المدرسة بدوام كامل.
يشكل المعلمون واحداً من أهم المكونات في إعادة فتح المدارس. وستكون محاولة إشعارهم بالذنب أو توبيخهم غير مفيدة ولا عادلة. وبشكل عام، يذهب المعلمون إلى التعليم لأنهم يهتمون بالأطفال واليافعين؛ وهم يريدون، تمامًا مثل الآباء، أن تؤخذ سلامة طلبتهم وصالحهم على محمل الجد. ولذلك، فإن الاستماع إلى ما يقوله المعلمون أمر ضروري في التعامل مع هذه المسألة. وفي اسكتلندا، حيث المدارس مفتوحة الآن منذ ما يقرب من أسبوعين، تعطي الحكومة الأولوية لإجراء الفحص عند الطلب للمعلمين ودور الحضانة وموظفي المدارس الآخرين الذين يعتقدون أنهم تعرضوا للفيروس، في حين يتم تطبيق إجراءات التباعد الجسدي لمسافة مترين بين أعضاء هيئة التدريس، وبين المعلمين والطلاب.
لمنع “كوفيد-19” من الانتشار في المدارس، من الضروري وقف انتقال الفيروس في المجتمع في المقام الأول. في اسكتلندا، تلتزم الحكومة باستراتيجية الحد الأقصى من قمع العدوى، وقد واصلت تشجيع الناس على العمل من المنزل من أجل إبقاء المدارس مفتوحة في الأسابيع المقبلة. وتشكل المدارس جزءا لا يتجزأ من المجتمعات المحلية، ولذلك سينعكس انتشار “كوفيد-19″ في المجتمع أيضًا في مدارسه. وفي الحقيقة، وجد تقرير حديث للصحة العامة في إنجلترا، الذي فحص تفشيات فيروس كورونا في المدارس الإنجليزية في حزيران (يونيو)، وجود علاقة قوية بين عدد التفشيات في المدارس والإصابة الإقليمية بـ”كوفيد-19”. وسوف يتطلب كسر سلاسل الانتقال بعد ظهور الحالات في المدارس نظامًا قويًا للاختبار والتعقب، الذي يتكامل مع ما يجري في المجتمع.
للمساعدة على وقف انتشار “كوفيد-19″، تستطيع المدارس نفسها اعتماد تدابير للتخفيف، مثل غسل اليدين المتكرر، والتعلم في الهواء الطلق، وتهوية الفصول الدراسية، واعتماد أوقات بدء وانتهاء مُجدوَلة، وتجنب الاختلاط بين الفئات والفصول العمرية المختلفة. ويجب إبقاء الآباء خارج الموقع إلى حد كبير، ويجب على المعلمين توخي الحذر في التعامل مع بعضهم بعضا؛ تشير الأبحاث الحديثة من “التعليم العام في إنجلترا” إلى أن ثلثي انتقال الفيروس في المدارس يحدث بين المعلمين، أو من المعلمين إلى التلاميذ. وعلى الرغم من أن لأقنعة الوجه تكاليف تعليمية على الأطفال الأصغر سنًا، تنصح إرشادات منظمة الصحة العالمية باستخدامها لمن تزيد أعمارهم على 12 عامًا -ولذلك سيكون من المنطقي اعتمادها في المدارس الثانوية حيث يحدث انتقال للعدوى.
لكن بعض هذه الإجراءات يمكن أن تخلق مشاكلها الخاصة. إذا كان الحفاظ على مسافة مترين إلزاميًا لجميع طلاب المدارس الثانوية، على سبيل المثال، فمن المحتمل أن يعود الطلاب في المدارس الخاصة (التي تميل إلى امتلاك مساحات وموارد أكبر) بدوام كامل، بينما قد يحصل تلاميذ المدارس الحكومية، لا سيما في المناطق المحرومة، على يوم أو اثنين في الأسبوع من الدراسة بالحضور الشخصي في الفصول. ويمكن أن يكون التعلم المدمج الذي يمزج بين التدريس بالحضور الشخصي في المدرسة والتعليم عبر الإنترنت خيارًا حيث لا يكون التباعد الجسدي ممكنًا -لكنّ تشجيع التحرك نحو التعلم عبر الإنترنت سيؤدي إلى تضخيم التفاوتات التعليمية، خاصةً إذا لم يكن لدى الطلاب جميعًا إمكانية الوصول إلى أجهزة الكمبيوتر المحمولة وأجهزة “آي-باد” واتصال بالإنترنت.
تعكس المدارس كيف أننا جميعًا مرتبطون معًا كمجتمعات. ويمكن أن يؤثر ما يفعله شخص واحد أو عائلة على مجموعة كاملة من الناس. وإذا عاد الأطفال العائدون من بلدان التي تعرضوا فيها للفيروس إلى المدرسة مباشرة، فقد يُطلب أيضًا عزل فصلهم بأكمله لمدة 14 يومًا. وهذا هو السبب في أن خطط الاستجابة السريعة هي جزء مهم من إبقاء المدارس مفتوحة؛ في حالة ظهور نتيجة فحص كورونا إيجابية لطالب أو معلم، يجب أن تعرف المدارس كيفية التصرف حتى يمكن التعرف على جهات الاتصال وفحصها وعزلها بسرعة.
من بين جميع استراتيجيات إعادة فتح المدارس وإبقائها مفتوحة، فإن نهج صفر “كوفيد” الذي يهدف إلى الحد الأقصى من قمع انتقال الفيروس هو الأفضل. وتعمل المدارس داخل المجتمعات. ولذلك، فإن الطريقة الأكثر أمانًا لحمايتها هي التأكد من عدم وصول الفيروس إليها في المقام الأول.
*أستاذ جامعي ورئيس قسم الصحة العامة العالمية في جامعة إدنبرة.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
The best way to keep schools open? Stop coronavirus entering them in the first place