صدى الشعب – كتبت الاء العلي✍🏻
أيها القلب يا قطعة البلور المعلقة بين أصابع الريح يا نافذة مفتوحة على كل المواسم يا جسرا تعبره الأرواح المرهقة بلا إذن ثم تمضي تاركة وراءها غبار أقدامها وملح دمعها كم مرة ظننت أن الأبواب التي تفتح على مصراعيها ستؤدي إلى حدائق دافئة فإذا بها تفضي إلى صحارى لا ظل فيها كم مرة ظننت أن الأيدي الممتدة نحوك ستحملك فإذا بها تدفعك إلى هوة لا قرار لها كم مرة صدقت أن دفء الآخرين يكفي لتشتعل شمسك فإذا بك تجد نفسك تحترق وحيدا في ليل طويل لا يلتفت فيه أحد إلى رمادك.
لا تكن الأرض التي يزرعون فيها أشواكهم ثم يمضون تاركينك تنزف كلما مر النسيم ولا تكن الشاطئ الذي ترسو عليه السفن المعطوبة لتلقي صدأها وأحزانها ثم تبحر وقد خفت حمولتها بينما تتركك مثقلا بحديدها الغارق في أعماقك لا تكن الحائط الذي يصرخون في وجهه حتى تتشقق مسامه ثم يرحلون تاركين الصدى يتردد في داخلك حتى الفجر لا تصدق أن الطيبة أن تشتعل حتى الرماد ولا أن الرحمة أن تغرق في دموعهم حتى تصير ماء راكدا فوقه جثتك
القلب الذي يستنزف حتى آخر قطرة لا يشفى بل يتحول إلى حجر ثقيل يجر صاحبه إلى قاع نفسه زن نبضك بميزان لا يخون ولا تسمح لأنفاسهم الثقيلة أن تطفئ شمعتك الأخيرة فمن يعطي بلا حد ينتهي كمحطة قطار مهجورة تمر بها الأرواح على عجل وتبقى أنت على الرصيف تراقب قطارات لا تعود وتستمع لصافرة لا يقصدك بها أحد تذكر أن الأرواح ليست بحارا أبدية بل كؤوس من زجاج إذا فاضت انكسرت وتناثرت شظاياها في وجوه من أحبوها لا تكن كسرة خبز في سوق الأرواح الجائعة ولا لافتة مهترئة في شارع مهجور من أحبك حقا لن يتركك تسبح حتى تنهك عضلاتك ثم يقف على الشاطئ يراقب غرقك ببرود كن شمسا تعرف متى تسطع ومتى تغيب لا شمعة تذوب في غرفة مغلقة لا يراها أحد ولا غيمة تمطر حتى آخر قطرة في صحراء لا تنتظر المطر كن شجرة تعرف متى تسقط أوراقها لتحمي جذورها من البرد ومتى تورق لتفرش للظل مائدة للمتعبين كن نهرا يعرف مجراه جيدا فلا تضلله الجداول الصغيرة التي تحاول أن تجره بعيدا عن مصبه احفظ لنفسك مسافة أمان مسافة تجعلك ترى الغريق وتلقي له حبلا لا أن تقفز معه لتغرقا معا فأنت لست مرفأ للسفن الضالة ولا فانوسا يبدد زيته في طرقات لا يسلكها أحد أنت جسد يتعب وعين تدمع وروح تستحق الحياة من حقك أن تسمع نبضك قبل أن يبتلعه صخب الآخرين وأن تمنح قلبك لمن يعرف قيمته لا لمن يتركه يصدأ في الزوايا الباردة لا تترك لبحار الوجع أن تبتلعك ولا لليأس أن يبني فوقك مدنه فأنت أعمق من كل دمعة وأشد إشراقا من كل عتمة حاولت أن تطفئك احتضن نفسك كما يحتضن الناجي من الغرق خشبة النجاة كن حانيا على روحك كما تكون الأم على طفلها وكن صارما بقدر ما يحميك من الانكسار لأنك إن انطفأت ستترك الكون في عتمة لا يوقظها فجر أحب نفسك بالقدر الذي تعرف معه أنك حين تمنح الآخرين دفئا لا يحرقك وحين تمد يدك بالعطاء لا تتركها تنزف وحين تفتح قلبك لا تتركه فريسة للرياح الباردة عش كما لو أن روحك حديقة سرية لا يعرف الطريق إليها إلا من جاء حافيا من التعالي نظيفا من الخيانة مبللا بندى الصدق.
واعلم أن من لا يقدر دفء قلبك لا يستحق أن يدفن فيه برده وأن من يرحل عنك في عز عاصفتك لن يستحق حضورك حين تهدأ الرياح كن ملاذا لنفسك قبل أن تكون ملاذا لغيرك لأن من ينسى نفسه في سبيل الجميع سينسى الجميع أن يعيده إلى نفسه يوما ما






