صدى الشعب - كتب: د. عايِشُ النَّوايسَةُ، خَبِيرٌ وَمُسْتَشارٌ تَرْبَوِيٌّ. تَحْتَلُّ عَمَلِيَّةُ تَنْمِيَةِ مَهَاراتِ التَّفْكِيرِ بِشَكْلٍ عامٍّ، وَالتَّفْكِيرِ النَّقْدِيِّ بِشَكْلٍ خاصٍّ، مَكانَةً بارِزَةً فِي أَذْهانِ الْمُرَبِّينَ وَالْخُبَراءِ وَواضِعِي الْمَناهِجِ وَالتَّرْبَوِيِّينَ، وَالْقائِمِينَ عَلى عَمَلِيَّاتِ تَعَلُّمِ وَتَعْلِيمِ الطَّلَبَةِ، وَبِشَكْلٍ خاصٍّ الْمُعَلِّمِينَ؛ إِذْ أَنَّ الْعَصْرَ الْحَالِيَّ يَتَطَلَّبُ امْتِلاكُ الطَّلَبَةِ لِمَهَاراتٍ عَالِيَةٍ فِي التَّفْكِيرِ وَاتِّخاذِ الْقَراراتِ وَالاخْتِيارَاتِ وَحَلِّ الْمُشْكِلاتِ وَالْقِيامِ بِالْمُبادَراتِ لِمَا تُواجِهُهُمْ مِنْ مَواقِفَ جَدِيدَةٍ. كَمَا أَضْحَى لِإِجْماعِ التَّرْبَوِيِّينَ وَالْمُخْتَصِّينَ فِي مُعْظَمِ لِقاءَاتِهِمْ وَمُؤْتَمَراتِهِمْ التَّرْبَوِيَّةِ سِمَةٌ مُشْتَرَكَةٌ تُؤَكِّدُ وَتُنادِي بِضَرُورَةِ تَطْوِيرِ مَهَاراتِ التَّفْكِيرِ النَّقْدِيِّ وَعَمَلِيَّاتِهِ لَدَى جَمِيعِ الطَّلَبَةِ، وَفِي جَمِيعِ الْمَراحِلِ الْعُمْرِيَّةِ؛ وَذَلِكَ لِبِناءِ جِيلٍ مُفَكِّرٍ، آخِذِينَ فِي الاعْتِبارِ أَنَّ تِلْكَ الْمَهَاراتِ وَالْعَمَلِيَّاتِ لا تُوجَدُ صُدْفَةً وَلا تَنْمُو تِلْقَائِيًّا، بَلْ يَجِبُ تَعْلِيمُهَا وَالتَّدْرِيبُ مِنْ خِلالِ الْأَنْشِطَةِ التَّعْلِيمِيَّةِ داخِلَ الصَّفِّ وَخارِجِهِ، وَالَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَى الْمُحْتَوَى التَّعْلِيمِيِّ، سَواءٌ كانَتْ فَرْدِيَّةً أَوْ جَماعِيَّةً، وَرَقِيَّةً أَوْ رَقْمِيَّةً، مِمَّا يُساعِدُ عَلَى تَحْوِيلِ التَّعْلِيمِ مِنْ مُجَرَّدِ عَمَلِيَّةِ تَلْقِينٍ إِلى تَجْرِبَةٍ تَفاعُلِيَّةٍ تُحَفِّزُ الْعَقْلَ وَتُنَمِّي مَهَاراتِ التَّفْكِيرِ الْعُلْيا؛ إِذْ أَنَّهَا تَلْعَبُ دَوْرًا حَيَوِيًّا فِي تَعْزِيزِ مَهَاراتِ التَّفْكِيرِ النَّقْدِيِّ لَدَى الطَّلَبَةِ مِنْ خِلالِهَا؛ إِذْ تُعْتَبَرُ مِنَ الرَّكائِزِ الْأَساسِيَّةِ فِي بِناءِ مَنْظُومَةٍ تَعْلِيمِيَّةٍ فَعَّالَةٍ تَتَماشَى مَعَ مُتَطَلَّباتِ الْقَرْنِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ، حَيْثُ تُساهِمُ هَذِهِ الْأَنْشِطَةُ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ فِي تَنْمِيَةِ مَهَاراتِ التَّفْكِيرِ النَّقْدِيِّ لَدَى الطَّلَبَةِ، وَالَّتِي تُعَدُّ الْيَوْمَ الْهَدَفَ الرَّئِيسَ لِتَمْكِينِ الطَّلَبَةِ مِنْهَا وَإِعْدادِهِمْ لِلْحَياةِ. إِذْ تُعَدُّ وَسِيلَةً فَعَّالَةً لِتَنْمِيَةِ مَهَاراتِ التَّفْكِيرِ الْعُلْيا مِثْلَ مَهَاراتِ التَّحْلِيلِ وَالتَّقْيِيمِ وَحَلِّ الْمُشْكِلاتِ، وَهِيَ مَهَاراتٌ ضَرُورِيَّةٌ لِبِناءِ جِيلٍ قادِرٍ عَلَى التَّعامُلِ مَعَ الْمُتَغَيِّراتِ الْمُتَسارِعَةِ فِي مُخْتَلِفِ الْمَجالاتِ؛ كَمَا تُعَزِّزُ مِنْ مَبْدَأِ التَّعَلُّمِ النَّشِطِ، حَيْثُ يَصْبِحُ الطَّالِبُ مُشارِكًا فِعْلِيًّا فِي بِناءِ الْمَعْرِفَةِ وَإِنْتاجِهَا، بَدَلاً مِنْ كَوْنِهِ مُتَلَقِّيًا. كَمَا أَنَّهَا تَعْمَلُ عَلَى تَعْزِيزِ الْفَهْمِ الْعَمِيقِ وَالاسْتِيعابِ مِنْ خِلالِ التَّفاعُلِ مَعَ الْمَعْلُوماتِ وَتَحْلِيلِهَا وَنَقْدِهَا، مِمَّا يُتِيحُ لِلطَّلَبَةِ إِعادَةَ صِياغَتِهَا وَرَبْطَهَا بِخِبْراتِهِمْ السَّابِقَةِ، وَبِالتَّالِي تَرْسِيخُ الْمَفاهِيمِ بِشَكْلٍ أَكْثَرَ دَيْمُومَةً مُقارَنَةً بِالتَّعْلِيمِ التَّقْلِيدِيِّ. كَمَا تُساهِمُ الْأَنْشِطَةُ التَّفاعُلِيَّةُ فِي زِيادَةِ دافِعِيَّةِ الطُّلَّابِ نَحْوَ التَّعَلُّمِ مِنْ خِلالِ تَوْفِيرِ أَجْواءٍ مُشَوِّقَةٍ وَتَحَدِّيَاتٍ مُحَفِّزَةٍ تَكْسِرُ رَتَابَةَ الدُّرُوسِ النَّظَرِيَّةِ، مِمَّا يُحَوِّلُ التَّعْلِيمَ إِلى تَجْرِبَةٍ شِبْهِ تَطْبِيقِيَّةٍ قائِمَةٍ عَلَى التَّحْلِيلِ وَالتَّفْكِيرِ النَّقْدِيِّ بَعِيدًا عَنِ الْحِفْظِ وَالتَّلْقِينِ. وَبِهَذَا فَالْأَنْشِطَةُ تُسْهِمُ بِبِناءٍ شامِلٍ لِمَهَاراتِ التَّفْكِيرِ فِي كَافَّةِ الْجَوانِبِ؛ فَتُسْهِمُ بِبِناءِ الْمَهَاراتِ الاجْتِماعِيَّةِ مِنْ خِلالِ الْعَمَلِ الْجَماعِيِّ وَالتَّعاوُنِ بَيْنَ الطُّلَّابِ، مِمَّا يُنَمِّي رُوحَ الْفَرِيقِ وَيُعَزِّزُ مَهَاراتِ التَّواصُلِ وَالْحِوارِ وَالنِّقاشِ الْبَنَّاءِ. لِذَا، فَإِنَّ دَمْجَ الْأَنْشِطَةِ التَّفاعُلِيَّةِ فِي الْمُحْتَوَى التَّعْلِيمِيِّ لَيْسَ مُجَرَّدَ خِيَارٍ، بَلْ هُوَ خِيَارٌ تَرْبَوِيٌّ وَاسْتِراتِيجِيٌّ لِإِعْدادِ جِيلٍ قادِرٍ عَلَى التَّكَيُّفِ مَعَ مُتَطَلَّباتِ الْعَصْرِ، مِمَّا يُسْهِمُ فِي تَحْسِينِ مُخْرَجاتِ التَّعْلِيمِ وَيُؤَهِّلُ الطُّلَّابَ لِلتَّعامُلِ مَعَ التَّحَدِّيَاتِ الْمُسْتَقْبَلِيَّةِ. إِنَّ امْتِلاكُ الطَّلَبَةِ الْمَهَاراتِ التَّفْكِيرِ النَّقْدِيِّ مِنْ خِلالِ الْأَنْشِطَةِ التَّعْلِيمِيَّةِ وَتَضْمِينِهَا أَثْناءَ عَمَلِيَّاتِ تَفْكِيرِهِ يُمَثِّلُ الْوَسِيلَةَ الَّتِي تَكْشِفُ عَنْ اهْتِمامِ الْمُتَعَلِّمِ بِعَمَلِيَّاتِ تَفْكِيرِهِ وَفَهْمِهِ لَهَا، وَالَّتِي تَتَمَثَّلُ بِالتَّخْطِيطِ الْواعِي بِالاسْتِراتِيجِيَّاتِ، وَمُراقَبَةِ الْفَرْدِ لِلْخُطُواتِ الَّتِي يَتَّخِذُهَا أَثْناءَ حَلِّ الْمُشْكِلاتِ، وَتَقْيِيمِ كَفَاءَةِ تَفْكِيرِهِ عَلَى أَداءِ عَمَلِهِ. أَنَّ تَكامُلَ الْأَنْشِطَةِ التَّعْلِيمِيَّةِ داخِلَ الصَّفِّ وَخارِجِهِ يُوجِدُ بِيئَةَ تَعَلُّمٍ غَنِيَّةً وَمُتَنَوِّعَةً تُعَزِّزُ لَدَى الطَّلَبَةِ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّفْكِيرِ بِعُمْقٍ، وَتَحْلِيلِ الْمَعْلُوماتِ بِشَكْلٍ فَعَّالٍ، وَإِصْدارِ أَحْكامٍ مُسْتَنِيرَةٍ، وَحَلِّ الْمُشْكِلاتِ بِطُرُقٍ إِبْداعِيَّةٍ، وَهِيَ جَمِيعُهَا مُكَوِّناتٌ أَساسِيَّةٌ لِمَهَاراتِ التَّفْكِيرِ النَّقْدِيِّ.