صدى الشعب – كتب حسن عيسى الخزاعلة
رحاب ليست مجرد قرية هادئة على أطراف البادية بل هي نموذج حي لمجتمع يعيش تحت طبقات من الصمت والتأقلم والخوف مجتمع يحتفظ بشكله التقليدي لكنه يموج في داخله بأسئلة كبيرة عن التغيير والذات والمستقبل.
في هذا المجتمع تتشكل الشخصية الفردية في بيئة لا تترك للفرد مساحة كافية ليكون ذاته فالأعين تلاحقه والتعليقات تسبقه والخطأ لا يُغتفر أما النجاح فلا يُرحب به إلا إن جاء وفق مقاييس الجماعة ومن داخل تراتبيتها.
ينمو الشاب في رحاب بين صوت العائلة وصوت الجيران وصدى العادات فيجد نفسه ممزقًا بين ما يريده فعلًا وما يُتوقع منه وبين ما يحلم به وبين ما يفرضه السياق من حدود وخطوط لا يجوز تخطيها وكل محاولة للتميز أو المبادرة أو المغامرة تلقى بردود فعل متوجسة أحيانًا وساخرة أحيانًا أخرى.
تُمارس فئة من متوسطي العمر دور الحَكم غير المعلن في حياة الجيل الجديد فبدل أن تكون خبرتهم مصدر دعم تصبح كثيرًا ما أداة تثبيط يتسللون بكلماتهم البسيطة لكن الثقيلة في أثرها ليقوضوا الحافز ويزرعوا الشك ويسخروا من الفكرة قبل أن تنضج ومن الحلم قبل أن يولد.
وفي ظل هذا المناخ النفسي الاجتماعي يصبح الطموح عبئًا والاختلاف خطأ والمبادرة نوعًا من الجنون أو التمرد لا يجد الشاب مساحة آمنة للتعبير ولا منصة مؤسسية تحتضنه ولا قيادة مجتمعية تؤمن به بل يشعر أنه يتحرك وحده وسط العتمة وأن كل خطوة للأمام قد تُفسر على أنها خروج عن الصف لا تقدم.
تغيب المؤسسات الثقافية والشبابية الفاعلة ويغيب معها الحافز العام وتنحصر المشاركة في دوائر مغلقة تخدم مصالح القلة بينما يقف الأغلبية على الهامش يتفرجون أو ينسحبون بصمت أو يتحولون إلى أدوات للتكرار والجمود.
لكن ما زال في رحاب ضوء ما زال هناك جيل يرى ويسمع ويفكر ويحاول يخطئ ويتراجع ثم يعاود الوقوف يبحث عن معنى لحياته في أرضه وبين أهله يفتش عن فرصة لا تهدمه ولا تسلبه ذاته جيل يحتاج فقط إلى من يصدقه لا من يحاكمه إلى من يشجعه لا من يسخر منه إلى من يفتح له الباب لا من يزيد الأسوار ارتفاعًا.
رحاب ليست استثناء بل هي صورة مصغرة عن مجتمعات كثيرة في بلادنا مجتمعات تحتاج إلى مصالحة داخلية مع ذاتها إلى إعادة تعريف العلاقة بين الفرد والجماعة بين القديم والجديد بين السلطة المجتمعية والحرية الفردية فقط حينها يمكن أن نعيد بناء الإنسان قبل أن نبني الطرق والمشاريع فقط حينها يمكن أن يولد الأمل من جديد.