** “أنا أدبكُ (أرقص) أفضل من الأخريات، أودّ أن أدبك اليوم كله، أرجوكم لا تمنعوني”، تُكمل المريضة (ش. ك) -49 عاما في مستشفى نفسي- دبكتها (رقصتها) وهي تلوح بيدها إلى صديقتها في الطرف الآخر وهي تُخطط لتنتقل إلى رأس الدبكة لتجعلها أكثر حماسة بطبطبات (بحركات) قدميها على الأرض وهي تُردّد مع مطرب الحفلة الأغاني الكردية السريعة الخاصة بالدبكات.
صدى الشعب – مثل الكثير من النساء، استقرّت حالة (ش. ك) في مستشفى “سوز” الخاص بالنساء المصابات بالأمراض النفسية في محافظة السليمانية بإقليم كردستان العراق بعد تعرّضها لصدمة قويّة بسبب مشكلة عائلية، أصابتها بالاكتئاب وأفقدتها القدرة على الاختلاط والاندماج مع المجتمع، وجعلتها منعزلة، لتفكر في الانتحار لمراتٍ عدة، لكنّ جميع محاولاتها بائت بالفشل.
في خطوة منه لمعالجة مرضاه بطرقٍ مختلفة، ابتكر المستشفى أساليب جديدة لتُساعد بشكل أكبر في معالجة المصابين بالأمراض النفسية، والتخفيف من حالاتهم ومعاناتهم مع المرض، أبرزها إقامة حفلات غناء داخل المشفى باستضافة فنانين معروفين، ليُفسح المجال أمام المريضات للتخفيف عن أنفسهن بالدبكة والغناء كما يحلوا لهن.
وفي إطار استخدام أساليب متنوعة، يُنظم المستشفى رحلات ترفيهية إلى الحدائق والأماكن العامة للنساء فيه، وأخذهن إلى أحد المطاعم لتناول الطعام، وبعدها الذهاب إلى الأسواق للتبضع، ويعدّ الأخير أكثر ما تفرح به المصابات بالأمراض النفسية، ويزرع فيهن الفرح والسرور.
تشير البحوث والدراسات العلمية إلى أن المرض النفسي، على عكس المرض العضوي، فاعلية الأدوية في علاجه محدودة، وقد تكون لها آثار جانبية أكبر، وهو ما دعا الباحثين للتأكيد على أهمية النشاطات الترفيهية في معالجة الأمراض النفسية؛ وخاصة ما يتعلق بالاضطرابات والاكتئاب.
شيخاني رأت أن الغناء يأتي ضمن العلاج الطبيعي ذي الأهمية الكبرى والتقليل من الضغوط النفسية.
صالون خاص
وبالإضافة لوسائل الترفيه والترويح عن المرضى النفسيين، يعتمد المستشفى في علاج مرضاه تقنيات العلاج السلوكي مثل التدريب على الاسترخاء، وإتاحة المجال لزيارة العائلة، والاحتفال بالأعياد والمناسبات الخاصة والعامة، حسب رئيسة قسم الممرضات كوردستان شيخاني.
وأوضحت شيخاني أن من برنامج العلاج للمريضات ممارسة الرياضة يوميا، وإتاحة المجال لممارسة الهوايات، مشيرة إلى أن لبعضهن إبداعات متنوعة لاسيما ما يرتبط بالأعمال اليدوية.
وذكرت أن المستشفى يوفر صالونا خاصا بالتزيين؛ ولفتت شيخاني إلى أن إقامة الحفلات الغنائية يأتي ضمن العلاج الطبيعي ذي الأهمية الكبرى لعلاج المريضات، أو التقليل من الضغوط النفسية.
الانعكاس الإيجابي الذي تحدثه هذه النشاطات الفنية والترفيهية، يدفع شيخاني إلى اقتراح أن تُعتمد مثل هذه الفعاليات في جميع المستشفيات الأخرى، سواء الخاصة بالأمراض النفسية أو البدنية وخاصة المُزمنة منها، لأنّها تزيد من سرعة الشفاء من المرض.
ياسين اشتكى من أن المستشفى يعاني من قلة الدعم لإقامة فعاليات ونشاطات لخدمة المرضى.
نقص الدعم
وتحصل المصابات بالأمراض النفسية في المستشفى على رعاية خاصة، فبالإضافة إلى الالتزام بمواعيد الأدوية والعلاج الطبيعي، تُقدّم لهن 3 وجبات طعام رئيسية، ويتاح لهن الاستحمام مرتين في الأسبوع، وفقا لمدير الإدارة في المستشفى دلشاد ياسين.
وتوجد في المستشفى غرفة خاصة للاستماع للموسيقى، ويرأى ياسين أن هذه الأنشطة والفعاليات الترفيهية من شأنها أن تسهم في العلاج أو التخفيف عن المريضات.
بيد أن المشفى ورغم ما يقدمه من خدمات متنوعة ومختلفة ومتعددة، فإنه يعاني من عدم توفر الدعم الكافي لإقامة فعاليات ونشاطات أخرى مشابهة لحفلات الدبكة والغناء، وهذا ما جعله -حسب ياسين- أن يعتمد بنسبة كبيرة في تمويله على تبرعات المحسنين.
سليم اعتبر أن من رسائل الفن دعم ذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى النفسيين.
رسائل الفن
أما الفنان لقمان سليم -الذي أحيا حفلة غنائية في المستشفى، فيرى أن واحدة من رسائل الفن الأصيل هي دعم وإيصال أصوات ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع وتحديدا المرضى النفسيين، والعمل على إدخال السعادة لقلوبهم بطرق شتى.
ويعلق سليم في حديثه للجزيرة نت على ما رأه في وجوه المصابات أثناء إحيائه الحفلة، قائلا “تعجز الكلمات عن وصف ما رأيته في وجهوهن من فرح وهن يدبكن ويغنين كأنهن تملكن الدنيا بما فيها”.
ويدعو الفنان الكردي أقرانه إلى ضرورة أن يزيد الفنانون من حفلاتهم المجانية لذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى في المستشفيات والمراكز التي تؤويهم، لكونها حالة إنسانية تُساعد في شفائهم ودمجهم بالمجتمع.