صدى الشعب – شهد العالم خلال العقد ونصف العقد الأخير ثلاثة أحداث تتعلق بالطفولة هزت كيانه وتجاوزت الحدود الدينية والثقافية نحو تضامن يكاد يكون ملحميا، بعضها ترتب عنه إجراءات سياسية لا سابقة لها وأخرى شكلت مدخلا للوحدة مثل حالة الطفل ريان المغربي.
والأحداث الثلاثة التي وقعت خلال 15 سنة الأخيرة هي اختفاء الطفلة البريطانية مادلين ماكين التي جرى اختطافها في ظروف غامضة للغاية ليلة 3 مايو 2007 في البرتغال عندما كانت رفقة عائلتها في عطلة في هذا البلد.
تحولت إلى فيلم غرائبي بسبب طريقة الاختفاء وغياب الأدلة رغم انخراط شرطة عدد من الدول مثل بريطانيا والبرتغال وإسبانيا وألمانيا في التحقيق.
ويستمر الغموض حتى الوقت الراهن، وتستمر عائلتها مسلحة بالأمل معتقدة في إمكانية العثور عليها كما حدث مع أطفال ظهروا بعد مرور سنوات طويلة من اختفائهم.
ونتيجة الاهتمام العالمي، أعادت الهيئات الأمنية الاهتمام بملفات عدد من المختفين من الأطفال، ووضعت إجراءات جديدة في التحقيق والبحث وحماية الأطفال من الاختطاف، حيث ساهم هذا الحادث في تفادي عشرات الآلاف من عمليات الاختطاف لاحقا.
لكن فجأة استيقظ ضمير العالم على فاجعة الطفل الكردي أيلان الذي تم العثور عليه يوم 2 سبتمبر 2015 في شواطئ تركيا وقد فارق الحياة خلال محاولة الهجرة نحو أوروبا هربا من الحرب الأهلية.
كانت صورة الطفل بلباسه الأحمر والأمواج تتلاعب بجثته الصغيرة كافية لتحريك الضمير الإنساني، فسارعت عدد من الدول وعلى رأسها ألمانيا باستقبال مئات الآلاف من اللاجئين الفارين من الشرق الأوسط وأساسا من سوريا.
لم تنه مأساة أيلان وفاة الأطفال غرقا في البحر وبالخصوص في البحر الأبيض المتوسط أو بشدة البرد كما حدث منذ أسابيع على الحدود بين بيلاروسيا وبولونيا، لكن هذا الحادث دفع إلى ليونة أكبر في نقاط الحدود التي لم تعد بتلك الوحشية التي كانت عليها من قبل.
وعاد العالم ليعيش على مأساة الطفل ريان في تعاطف إنساني نادر الحدوث، فقد سقط في البئر الثلاثاء الماضي، وتسلح العالم بالأمل في إنقاذه حيا من بئر عبارة عن جب أو حفرة ضيقة على عمق عشرات الأمتار.
كان هناك صراع بين الحياة والموت يتابعه مئات الملايين مباشرة في قنوات التلفزيون مثل الجزيرة أو منصات التواصل الاجتماعي.
ولكن، كان القدر أقوى من الأمل، وشاءت الأقدار أن يغادر ريان هذا العالم يوم 5 فبراير بعد خمسة أيام من البقاء في قعر الحفرة وعمره خمس سنوات.
لم يكن حادث البئر هو الأول من نوعه في المغرب بل شهد حالات سابقة، لكن هناك رأي سائد وسط المغاربة بأن قضية ريان ستكون المنعطف، فمباشرة بعد ذيوع خبر سقوطه في الحفرة والبعد الإعلامي العالمي الذي شهده الملف، سارعت السلطات إلى إغلاق مئات بل آلاف من الحفر الشبيهة بالتي سقط فيها ريان.
حفر تكون نقطة أمل وحياة في العثور على الماء لتتحول إلى فخ يحصد حياة الأبرياء مثل ريان.
انتهت أحداث مادلين ماكين البريطانية وأيلان الكردي السوري وريان المغربي بمأساة تابعها العالم وحبست أنفاسه، لكنها حركت الضمير الإنساني للعالم في تلاحم وتآزر قل نظيره، بغض النظر عن الديانة والعرق والثقافة.
هي مآس غير أنها أصبحت منعطفات ترتبت عنها قرارات قلصت من وقوع عشرات الآلاف من المآسي الأخرى من اختطاف أو غرق أو سقوط في قاع بئر.