ديون الحكومة، كبيرة، وإذ تقف ذات الحكومة اليوم، أمام البرلمان طلبا للثقة التي ستحصل عليها بالتأكيد، ستواجه مطالب مالية من غالبية النواب.
مشهد طلب الثقة من جانب الحكومات في الأردن، ومشهد مناقشة الموازنة، أيضا، يجتمعان عند قاسم مشترك، أي الجانب المالي، ولو عدنا إلى كل كلمات وخطابات النواب على مدى عقدين، لوجدنا أن غالبية المطالب مالية، إما لدوائرهم الانتخابية، أو لبعض المناطق، أو بشكل عام، خصوصا، ما يتعلق بتحسين أوضاع قطاعات معينة.
يريدون المال، والحكومة تقول لنا ولهم إن الديون ترتفع، والعجز يزداد، وهذا يعني أن أغلب مطالب النواب لن يتم تنفيذها، وقد تتم جدولة بعضها الآخر إلى العام 2022.
موسم الكلام بين الحكومة والنواب، يجب أن يخضع إلى تغييرات بنيوية، حتى لا تتحول القصة إلى سوق عكاظ، الحكومة تخطب على النواب، وتتقدم ببيان الثقة، أو الموازنة، والنواب يردون بذات الطريقة، ويفردون مطالبهم، لإرضاء قواعدهم، ثم ينفضّ السامر، ولا شيء يتغير، لأن الحكومة مقيدة، بكل هذه الاتفاقيات الدولية، والداخلية، بسبب القروض، والتسهيلات المالية، والالتزامات، وفوائد القروض أيضا التي بحد ذاتها باتت قصة.
هذا يعني وبشكل مباشر، أن إمكانية تحقيق مطالب عامة، مرتبطة بالجانب المالي، مستحيلة، فالحكومة تعاني أساسا من التزاماتها التي تقر بها علنا، عبر الموازنة على سبيل المثال.
لماذا إذا يضيع الوقت في آليات غير منتجة داخل مجلس النواب، بحيث باتت جلسات الثقة والموازنة، جلسات شكلية، يسجل فيها الكل موقفه للتاريخ ويمضي، وهو يعرف مسبقا أن الحكومة غير قادرة على تنفيذ غالبية المطالبات ذات الجانب المالي؟.
لقد آن الأوان أن تتغير آليات التعامل مع ملفي الثقة والموازنة، حتى لا نبقى ندور حول أنفسنا، في مشهد شكلي، يدرك الناس مسبقا أنه غير مفيد، فلا حكومة في الأردن، لا هذه، ولا لاحقتها، ولا من قبلهما، قادرة على الاستجابة لكل هذه الطلبات المالية، أما منح الثقة لغايات سياسية، فتلك قصة ثانية، إذ لا حكومة تسقط في الأردن هذه الأيام.
لكنْ للقصة وجه ثان، فليس المال هو كل شيء، وهذا يعني أن الحكومة قد تكون قادرة على إدارة المال المتوفر، بطريقة أفضل، وقادرة أيضا على تلطيف الحياة علينا، عبر تحسين كثير من أوضاع القطاعات، وإذا كانت الحجة كل مرة أن المال، غير متوفر، فهذا لا يعني الانجماد، والانغلاق داخل دائرة الديون والعجز، وتبرير التراجعات بعدم وجود أموال.
من أجل كل ما سبق، لن يقف أحد من المتابعين وأغلبية الناس، عند موسم الكلام هذا، لأنهم يعرفون أنها ليست ذات أثر فعلي، ونادرا ما خرجت حكومة في تاريخ الأردن، من جلسات الثقة أو الموازنة، وأعادت إنتاج توجهاتها، أو غيرت قراراتها، أو تقدمت بخطاب معدل، أو موازنة مختلفة، والسبب في ذلك أن القيود تأسر، مسبقا، أي حكومة قبيل جلسات الثقة.
لقد كانت هذه الذرائع هي السائدة لدى أغلب الحكومات، قلة المال، والديون، والعجز، لكن ماذا ستفعل هذه الحكومة، وهل سوف تستسلم لذات الصياغات السياسية والاقتصادية، أم ستجد بديلا عن قلة المال، عبر خطة عمل مختلفة، تواجه بها هذه التحديات التي نعيشها؟
أغلب الظن، أننا لن نشهد تغيرا جذريا، فالظرف الداخلي يعاني اقتصاديا من مشاكل مختلفة، وتدفق المساعدات العربية والدولية، له تفاصيله، وما يمكن أن تقدمه أي حكومة يبدو محدودا، أمام ضخامة حجم القطاع العام، والتزاماته، وحالة الترهل فيه، والمشاكل الفرعية في كل قطاع من الزراعة وصولا إلى السياحة مرورا بالتعليم، وغير ذلك من قطاعات، بما يعني أن كلمة السر في نهضة البلد، تكمن في حل واحد فقط، وهو إطلاق العنان للقطاع الخاص، بدلا من إتعابه وإلحاقه بالقطاع العام المنهك من أجل دعمه وتمويله.
بهذه الطريقة، تصير الثقة الممنوحة للحكومة، ثقة سياسية، فقط، بمعزل عن كل طلبات النواب، ومطالبهم المشروعة، وخصوصا، تلك المطالب ذات الجذر المالي، والتي تعبر عن مشاكل مزمنة في البلد، وهذا نمط جديد حين تصبح الثقة غير شاملة لكل توجهات الحكومة وخطتها وبرنامجها، بل تأتي الثقة كمجرد تعبير سياسي لمشهد شرق أوسطي، تنجح فيه الحكومة، ومن سبقها، في هكذا امتحان، لمجرد استحالة إفشالها أو إسقاطها برلمانيا.