في ظل التحديات المتزايدة التي يواجهها الطلاب اليوم، يبرز دور الإرشاد التربوي والنفسي كأحد الأسس الحيوية التي تسعى المدارس لتوفيرها، إذ يعد هذه الدور حجر الزاوية في تعزيز قدرات الطلبة وحمايتهم من الوقوع في المشكلات النفسية أو الاجتماعية، فضلاً عن دورها الكبير في الوقاية والعلاج عند حدوث أي أزمة.
وتكتسب هذه الخدمات أهمية خاصة في ظل التطورات السريعة التي يشهدها العالم في مجالات مثل التكنولوجيا وغيرها، مما يستدعي استجابة مبتكرة لمواكبة هذه التغيرات وتوفير بيئة مدرسية داعمة.
التربية لـ”صدى الشعب”: تشكيل مجالس البيئة الآمنة لتعويض نقص المرشدين بالمدارس
وبهذا الشأن أكد مدير مديرية الإرشاد في وزارة التربية والتعليم، طلال أبو عليم، على أهمية دور المرشد التربوي في المدارس، مشيرًا إلى أن وجوده يشكل عنصرًا أساسيًا في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب، بالإضافة إلى المساهمة في خلق بيئة مدرسية آمنة.
وأوضح أبو عليم خلال حديثه لـ”صدى الشعب” أن المرشد التربوي يلعب دورًا محوريًا في تعزيز العملية التعليمية والتدريسية من خلال توفير الدعم للطلاب والمعلمين على حد سواء، مضيفًا أن الوزارة تولي اهتمامًا كبيرًا بالبيئة المدرسية الآمنة، لضمان أن يتلقى الطلاب تعليمهم في أجواء مناسبة ومحفزة.
وقال أن هدف الوزارة تحقيق للطالب بيئة مدرسية آمنة ومناسبة تعزز من تعلمه وتدفعه نحو تحقيق النجاح.
وأوضح، أن عدد المرشدين التربويين المعينين رسميًا في مدارس الوزارة يبلغ 2500 مرشد ومرشدة، مضيفا أن الوزارة عملت على تعويض النقص الحاصل في عدد المرشدين التربويين في المدارس.
وأشار إلى أن الوزارة شكلت مجالس للبيئة المدرسية الآمنة في المدارس التي لا يوجد بها مرشد تربوي لتولي مهامه، موضحا أن مجلس البيئة المدرسية الآمنة يتكون من مدير المدرسة، ومساعد المدير، واثنين من المعلمين، وعضو من مجلس التطوير، وعضو من مجلس أولياء الأمور، لضمان تقديم الدعم اللازم للطلاب وتحقيق بيئة تعليمية آمنة ومتكاملة.
ولفت، أبو عليم إلى أنه لا توجد نسبة ثابتة لنقص المرشدين في المدارس، موضحًا أن تعيينات المرشدين تتغير باستمرار وفقًا للاحتياجات.
وبيّن أن الوزارة وضعت معيارًا واضحًا لتعيين المرشدين، حيث يتم التعيين في المدارس الأساسية التي تضم 150 طالبًا على الأقل كحد أدنى، بينما تتم التعيينات في المدارس الثانوية بشكل مباشر دون التقيد بعدد معين من الطلاب.
وأضاف انه بناءً على هذه المعايير، لا يمكن القول بوجود نقص في المرشدين، لأن المدارس التي يقل عدد طلابها عن 150 لا يتم تعيين مرشدين بها حسب تشكيلات الوزارة.
وأكد، أن الوزارة تولي اهتمامًا كبيرًا بتطوير كفاءة المرشدين التربويين من خلال تقديم برامج تدريبية متنوعة وشاملة.
وأشار إلى أن المرشدين الجدد يخضعون لتدريب أولي كخطوة أساسية، يعقبه برنامج شامل بعنوان “نحو بيئة مدرسية آمنة”. ويتضمن هذا البرنامج عدة مبادرات متميزة، مثل برنامج الدعم النفسي والاجتماعي، بورنامج “المرشد المتميز”، وبرنامج “شبابيك”.
وأضاف أن البرنامج يشمل أيضًا مبادرات لتعديل السلوك الإيجابي، مثل برنامج “نحن نتشارك”، إلى جانب مجموعة من البرامج الأخرى التي تهدف إلى تحسين البيئة المدرسية ودعم الطلاب نفسيًا واجتماعيًا، موكدا أن هذه الجهود تعكس التزام الوزارة بتعزيز البيئة التعليمية وضمان توفير بيئة مدرسية آمنة ومساندة.
وأكد، أن الوزارة تولي اهتمامًا كبيرًا بوجود مرشد تربوي في المدارس، معتبرة ذلك من أولوياتها الأساسية، موضحا أن أي معلم، سواء كان في قطاع الإرشاد الطلابي أو ضمن كوادر التدريس، يخضع مباشرة بعد تعيينه لتدريبات مكثفة تتماشى مع البيئة التعليمية، ورؤية ورسالة الوزارة، والخبرات الضرورية للعملية التعليمية.
وأشار إلى أن المرشدين التربويين يتم استهدافهم ببرنامج خاص للمرشدين الجدد، يلي ذلك لقاءات مع رؤساء أقسام الإرشاد بهدف توجيههم وتطوير أدائهم، بالإضافة إلى إشراكهم في تدريبات متخصصة.
وأكد أن الوزارة اعتمدت نظامًا للرتب التحفيزية للمرشدين، يبدأ من “مرشد جديد” وصولًا إلى “مرشد خبير”، بهدف تشجيع التميز وتحفيز الكوادر التربوية على تطوير مهاراتهم باستمرار.
وأكد، أن المرشد التربوي هو فني متخصص يُعنى بتقديم خدمات فنية موجهة للطلبة، مشددًا على أهمية دوره في العملية التعليمية.
وأوضح أن الإداريين، مثل مديري المدارس ومساعديهم وأمناء اللوازم، يختلفون في طبيعة عملهم عن المرشدين التربويين، الذين يتمتعون باختصاص فني محدد.
وأشار إلى أن الوزارة ترسل مع بداية كل عام دراسي الوصف الوظيفي الرسمي للمرشدين بكتب رسمية، داعية إلى الالتزام به وفق بروتوكولات العمل المدرسي.
وأضاف أنه في بعض الحالات الاستثنائية، مثل عدم وجود مساعد في المدرسة، يتم تكليف المرشدين ببعض المهام الإدارية كجزء من العمل التشاركي. ومع ذلك، أكد حرص الوزارة على تطبيق الوصف الوظيفي للمرشدين بما يضمن تقديم خدماتهم الفنية المتخصصة بشكل كامل.
من جانبه أكد الخبير التربوي ذوقان عبيدات أن وجود المرشد النفسي والتربوي ضرورة لكل إنسان، سواء كان طالبًا في المدرسة أو متعلمًا خارجها، أو حتى في مراحل عمرية مختلفة، صغيرة كانت أو كبيرة، موضحا أن الطلبة هم الفئة الأكثر احتياجًا للإرشاد، نظرًا لتعرضهم لضغوط متعددة تؤثر على حياتهم اليومية.
وأشار إلى أن الضغوط التي يواجهها الطلبة في المدارس تشمل الأعباء الناتجة عن الواجبات الدراسية، والاختبارات، والمناهج المكثفة، بالإضافة إلى ضغوط قسوة بعض المعلمين، والتنمر بين الطلبة أنفسهم، فضلاً عن الضغوط الأسرية المتعلقة بالمطالبة بتحقيق نتائج دراسية أعلى، مضيفا ان كل هذه الضغوط تتجاوز قدرة المرشد على تقديم حلول فعّالة للطلبة.
ولفت إلى أن الحل لا يكمن فقط في زيادة عدد المرشدين النفسيين، بل في تحسين البيئة المدرسية وتخفيف الأعباء على الطلبة، داعيا إلى تقليل حجم المناهج الدراسية، وتخفيف عدد الامتحانات والواجبات، والعمل على الحد من ظاهرة التنمر داخل المدارس.
وبيّن أن دور المرشد يجب أن يركز على القضايا العامة التي تواجه الطلبة، مثل كيفية التعامل مع الامتحانات دون قلق، وكيفية التصرف في حال حدوث إساءة من معلم أو طالب، مشيرا إلى وجود قضايا فردية تحتاج إلى إرشاد نفسي خاص، مثل عدم حب الطالب لمادة معينة أو لمعلم محدد.
وأبرز عبيدات مشكلتين رئيسيتين تواجهان الإرشاد في المدارس بالأردن، الأولى تتمثل في نقص عدد المرشدين المؤهلين، والثانية في ضعف اهتمام المرشدين الحاليين بالطلبة.
وأكد أن المدارس لا تقدم برامج إرشادية دقيقة أو وقائية تساعد الطلبة على مواجهة مشكلاتهم بشكل شامل، مضيفا ان بيئة التعلم في المدارس أصبحت بيئة مثيرة، ما يزيد الحاجة إلى تغيير شامل في أسلوب التعامل مع الطلبة.
الأحمد: الإرشاد بالمدارس مظلوم ويعاني من نقص حاد
من جهتها أكدت الخبيرة التربوية دكتورة ضياء الأحمد أن الإرشاد النفسي والتربوي في المدارس الأردنية يعاني من تحديات متعددة، أبرزها نقص الكوادر الإرشادية في وزارة التربية والتعليم.
وأضافت الأحمد أن الوزارة تواجه نقصاً حاداً في الدورات التدريبية المكثفة للمرشدين التربويين الذين تم تعيينهم حديثاً، مشيرة إلى أن هؤلاء المرشدين غالباً ما يتلقون تدريبهم من مشرفين غير مختصين بالإرشاد النفسي، بل من مشرفين متخصصين في مجالات علميه أخرى مثل الرياضيات أو الفيزياء، مما يعكس النظرة الإدارية للقسم بدلاً من كونه قسماً فنياً متخصصاً.
وأوضحت أن الوعي المجتمعي بدور المرشد في المدارس يعاني من نقص كبير، حيث دعت الوزارة إلى نشر الثقافة والوعي المجتمعي لأولياء الأمور؛ لتغيير النظرة حول دور المرشد التربوي وخاصة عندما يراجع الطالب المرشد في غرفته الإرشادية على أنه يعاني من مشكلة مرضية نفسية؛ عازية ذلك إلى تأثير ثقافة العيب السائدة بين الأهالي، والتي تعيق دور المرشدين التربويين والنفسيين في المدارس.
وأشارت إلى الحاجة الماسة لتفعيل دور المرشد التربوي والنفسي في المدارس، مشددة على أن ذلك يتطلب تغييراً في هيكلية الوزارة، حيث يجب نقل المرشدين إلى القسم الفني بدلاً من القسم الإداري.
وأكدت أن الوزارة ما زالت تعتبر المرشدين إداريين أكثر من كونهم مختصين نفسياً وتربوياً، مما يؤدي إلى تهميش دورهم وعدم توفير الدعم اللازم لهم.
وطالبت وزارة التربية والتعليم بالتركيز على تحويل الإرشاد التربوي إلى عمل فني بدلاً من إداري، مع تكثيف الدورات التدريبية المتخصصة للمرشدين الجدد.
كما دعت المجتمع وأولياء الأمور إلى تعزيز دور المرشدين من خلال إطلاق أنشطة ودورات بحثية تسهم في كسر ثقافة العيب وإبراز أهمية دور المرشد في البيئة المدرسية.
وأكدت أن هناك نقصاً واضحاً في أعداد المرشدين التربويين في مدارس المملكة، مع الإشارة إلى أن أغلب هذه المدارس ثانوية وإعدادية.
إصلاح قوانين الترفيعات
وأكدت أن التطور الأكاديمي للمرشدين، بما في ذلك الحصول على شهادات أعلى مثل الماجستير والدكتوراه أو الالتحاق بدورات تدريبية متخصصة، يلعب دورًا مهمًا في تطوير أداء المرشد التربوي.
وأوضحت أن هناك حالات لمعلمي صف حاصلين على شهادة البكالوريوس أكملوا دراساتهم العليا في مجالات مثل الإرشاد النفسي، أو علم النفس.
وأضافت أن هؤلاء المعلمين، بفضل خبراتهم الميدانية وتعاملهم مع الأطفال، طوروا أنفسهم أكاديميًا، مما أتاح لهم فهمًا أعمق للمشاكل التي يواجهها الطلبة في هذه المراحل العمرية، ومنها مشاكل سلوكية، أكاديمية، نفسية، جعل معلمي الصف الذين طوروا أنفسهم أكاديمياً وحصلوا على شهادات عليا في الإرشاد النفسي وعلم النفس أكثر قدرة على التعامل مع هذه الحالات بكفاءة ومهنية حيث تخصصهم في البكالوريوس يشمل على مواد في علم النفس، والارشاد التربوي، وتربية الطفل.
وأشارت إلى أن وزارة التربية والتعليم تعتمد قانونًا يُلزم تعيين المرشدين التربويين بناءً على شهادة البكالوريوس في الإرشاد النفسي أو علم النفس فقط، بغض النظر عن حصولهم على شهادات عليا مثل الدكتوراه.
واعتبرت أن هذا القانون قد يُعيق استفادة الوزارة من الكفاءات التي طورت نفسها أكاديميًا، مما يحد من تحسين جودة الإرشاد التربوي في المدارس.
ودعت إلى الاهتمام بتقديم دورات تدريبية مكثفة للمرشدين التربويين وتعزيز الوصف الوظيفي بما يسمح بالاستفادة من المؤهلات العليا، مؤكدة أن دولًا أخرى تعتمد على أعلى المؤهلات الأكاديمية لتحقيق الكفاءة المهنية، بينما يُركز النهج الحالي في الوزارة على الدرجة الأولى، وهي البكالوريوس فقط.