يودع الأردنيون عشرات المليارات من الدنانير في المصارف، وأغلب أصحابها لا يحركونها، لاعتبارات كثيرة، خصوصا في ظل الحذر والقلق من الوضعين الداخلي والخارجي، والمؤشرات الصعبة التي يلمسها الكل.
ربما ستحقق هذه الحكومة معجزة، اذا استطاعت فك حالة الانجماد النفسي لدى أصحاب هذه الودائع، عبر إقناعهم بتسييلها في السوق، بدلا من تجميدها، خصوصا أن ما يمكن أن تفعله بألف دينار هذه الأيام، قد لا تفعله بعد عام أو عامين، خصوصا أن كل شيء يرتفع ثمنه، أو كلفته، وهذا يعني أن تسييل الأموال أفضل بكثير من تجميدها في الحسابات المصرفية، فهذا تجميد غير منتج، حتى على مستوى الفائدة البنكية.
الحزمة التي أعلنت عنها الحكومة على لسان رئيسها، بقيمة 320 مليون دينار، قيمة برامج الدعم التي سوف يستفيد منها الفقراء، وعمال المياومة، وقطاع السياحة، وغير ذلك، حزمة ممتازة، ولم تكن متوقعة أساسا، خصوصا بعد أن تم تخفيف إجراءات الحظر، وعدم وجود أموال كافية لمثل هذه الحزمة، وبما أن الحكومة خرجت بها، فهي تستحق الإشادة، خصوصا أنها جاءت بعد أيام من إعلان الحكومة التزامها بعودة العلاوات للمدنيين والعسكريين، مطلع العام المقبل، وكل هذه الإجراءات إيجابية، وتبث الطمأنينة.
كل هذا يفرض أيضا على الحكومة سلسلة إجراءات إضافية، عبر ملفين؛ الأول حض الناس على تسييل أموالهم، عبر تشجيعهم بوسائل مختلفة، من بينها تجديد إعفاء الشقق ما دون 150 مترا، من الرسوم عند التسجيل، وهو إعفاء ينتهي نهاية هذا الشهر، واتخاذ إجراءات لخفض رسوم شراء الأراضي، أو ترخيص المشاريع، ورخص البناء، وغير ذلك، فالخزينة أساسا، لم تعد تأتيها واردات بسبب انجماد قطاعات كثيرة، وخفض الرسوم على الشقق والعقارات والأراضي وتسجيل المؤسسات والشركات والمشاريع، ورخص البناء، المختلفة، سيؤدي الى تحريك هذه القطاعات، وسيؤدي تحريكها الى نتائج إيجابية على صعيد تحريك الأسواق، وتخفيف البطالة، بل وتدفق السيولة الى الخزينة، وغير ذلك من نتائج متوقعة، خصوصا قطاع البناء، الذي يعني تحركه، عودة النشاط الى قطاعات مساعدة كثيرة، تعمل في الإطار ذاته.
الملف الثاني، يرتبط بتعطل قطاعات كثيرة، وكل غرف التجارة والصناعة في الأردن، وفي المحافظات، تطالب بعودة قطاعات كثيرة للعمل، ومع مراعاة الوضع الصحي، فإن رفع ثقل هذه القطاعات عن الوضع العام، ومنع تضررها كليا، أو جزئيا، وحمايتها من الانهيار، يكون بعودتها للعمل ضمن شروط مشددة جدا، وعلى أساس عقوبات كبيرة في حال المخالفة، فهذا أفضل بكثير من إغلاقها، وتضرر أصحابها ومن يعملون فيها، وتضرر الخزينة أيضا من عدم عملها، ومصلحة الحكومة هنا، أن تعود هذه القطاعات للعمل.
لم يبق أمامنا في الأردن سوى تحريك الاقتصاد، بأدوات من الداخل الأردني، فهناك ودائع بعشرات المليارات، وهناك قطاعات تجارية وصناعية وزراعية وسياحية، وبدلا من انتظار المساعدات والقروض، على أهميتها، يمكن العودة الى الداخل، مع الإدراك هنا، أن الوضع صعب وحساس أمام ثنائية الوباء والاقتصاد، وهي ثنائية لم تنجح دول أقوى من الأردن في التعامل معها، وحتى في بريطانيا ودول أخرى، عادت هذه الدول الى الإغلاق الشامل الممتد زمنيا لأسابيع، وخفضت الحكومة من دعمها للقطاعات والعاملين هناك، وتضرر كثيرون؛ حيث خسروا أعمالهم كليا، أو تم تخفيض دخولهم، وثنائية “الوباء والاقتصاد” تقول بشكل واضح، إن تجنب الخسارة كليا، أمر لا تقدر عليه أي دولة، لكن المراهنة تبقى قائمة فقط، على تخفيفها.
الأرقام التي أعلنتها الحكومة عن موازنة 2021، وما فيها من توقعات، وعجز، ونمو، تبقى مجرد أرقام، ستثبت، أو يحدث عكسها، وفقا لما سنراه في العام المقبل، والواضح أن الوضع ذاته ليس سهلا، وليس أدل على ذلك من انخفاض تحويلات المغتربين بنسبة عشرة بالمائة، وهذا رقم كبير، قد يزيد خلال العام المقبل، إضافة الى خروج أعداد ليست قليلة من الأردنيين من أعمالهم داخل الأردن، أو خفض أجورهم أيضا، بما ينعكس على الحركة التجارية والصناعية والزراعية والسياحية، وحتى ملف الاستثمار، الذي تبدي فيه الحكومة التفاؤل بطريقة قد لا تبدو عملية، ولا مقنعة، في ظل التراجعات التي تعيشها رؤوس الأموال في المنطقة والعالم، بما يجعل المراهنة على الاقتصاد الداخلي، مراهنة حقيقية، اذا استطاعت الحكومة تحريكه بأدوات داخلية أولا وأخيرا.