صدى الشعب – ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة حاسمة، حيث سيتجه أنظار العالم نحو أميركا مع بدء الانتخابات في 5 نوفمبر، انتخابات قد تحمل بين طياتها تداعيات عميقة وتغييرات قد تغير مسار العالم بأسره، في خضم صراعات سياسية محتدمة وتحديات اقتصادية متفاقمة، تُطرح تساؤلات محورية: من سيصعد إلى سدة الحكم؟ ترامب أم هاريس؟ وما الذي سيقدمه الفائز للاقتصاد العالمي؟ هل نحن على أعتاب تغييرات جذرية قد تسهم في كبح جماح التضخم وتقليص معدلات البطالة، وربما تخفيف عبء الضرائب؟ كيف ستؤثر النتيجة على اقتصاد أميركا وأبعد منها على اقتصادات دول ترتبط عملاتها بالدولار الأميركي؟ وهل سنشهد بداية حقبة اقتصادية جديدة أكثر استقرارًا؟ ساعات حاسمة قد ترسم ملامح المستقبل الاقتصادي للعالم بأسره. خطة ترامب الاقتصادية يطرح دونالد ترامب، الرئيس الأميركي السابق والمرشح الحالي للانتخابات، مفهومًا جديدًا يُعرف باسم “ماغانوميكس”، الذي يسعى من خلاله إلى إعادة تشكيل الاقتصاد الأميركي. هذه الخطة تتضمن فرض رسوم جمركية مشددة على الواردات، مع التركيز بشكل خاص على المنتجات الصينية، واتباع سياسة صارمة تجاه الهجرة. كما يهدف ترامب إلى تعزيز تأثير السياسة النقدية على الدولار.
“ماغانوميكس” هو مصطلح يجمع بين شعار ترامب الشهير “Make America Great Again” (MAGA) وكلمة “economics” (الاقتصاد)، مما يعكس تطلعه لإنشاء بيئة اقتصادية أكثر قوة وتنافسية، تستجيب للتحديات العالمية وتعيد الازدهار للأميركيين.
خطة كاملا هاريس الاقتصادية
تسعى كامالا هاريس، المرشحة للرئاسة، إلى إحداث تغيير جذري في حياة الأسر الأميركية من خلال مجموعة مبتكرة من المقترحات. من أبرز هذه المبادرات، تقديم خصم ضريبي للمرة الأولى لبناة المنازل التي تُباع للمشترين لأول مرة، بالإضافة إلى مساعدة مالية تصل إلى 25 ألف دولار للمساهمة في الدفعة الأولى، مما يتوقع أن يُحدث فرقًا حقيقيًا لحوالي أربعة ملايين أسرة على مدار أربع سنوات.
علاوة على ذلك، تدعو هاريس إلى تحديد سعر شهري للأنسولين لعلاج مرض السكري بمبلغ 35 دولارًا للجميع، مع استكشاف حلول لإلغاء الديون الطبية التي تثقل كاهل العديد من الأسر. كما تقترح تقديم خصم ضريبي بقيمة 6000 دولار في السنة التي تشهد ولادة طفل جديد، دعمًا للأسر في بداية رحلتها.
ولتعزيز العدالة الاقتصادية، تدعم هاريس تشريعًا فيدراليًا يهدف إلى حماية المستهلكين من أسعار البقالة المبالغ فيها، وتشدد على أهمية اتخاذ إجراءات قانونية لمنع مالكي العقارات من استخدام خدمات قد تؤدي إلى زيادة الإيجارات بشكل غير مبرر.
أسباب قد تجعل العالم يترقب الانتخابات الرئاسية الأمريكية تأثير الانتخابات على الأسواق:
فوز ترامب قد يعزز عائدات سندات الخزانة ويعطي دفعة للدولار، بينما فوز هاريس قد يؤدي إلى تغييرات ملحوظة في اتجاهات السوق، يُتوقع أن يعقد بنك الاحتياطي الفيدرالي اجتماعه يوم الأربعاء مع توقعات بخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، مما سيساهم في تحديد مسار السياسة النقدية في الفترة المقبلة.
بيانات التجارة الصينية:
سيتم الكشف عن بيانات التجارة والتضخم في الصين، والتي من الممكن أن تعكس التأثيرات الناتجة عن السياسات الأميركية تجاه بكين، مع التركيز على التعريفات الجمركية وتوجهات الصادرات.
التوجهات لدى البنوك المركزية العالمية:
في الوقت الذي يتوقع فيه أن يقوم بنك إنجلترا بتخفيض أسعار الفائدة، يُنتظر أن يثبت بنك أستراليا سياسته الحالية وسط حالة من عدم اليقين السياسي، ففي الأسواق الناشئة، تشهد المكسيك ضغوطًا على البيزو، بينما من المتوقع أن تزيد البرازيل أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس.
قلق المستثمرين:
الانتخابات تساهم في تفاقم حالة القلق وعدم اليقين بين المستثمرين، مما يدفعهم إلى تبني استراتيجيات حذرة ويحد من قراراتهم الاستثمارية، هذه الحذرية قد تؤدي إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي على المستوى العالمي.
التباين في البرامج الحزبية
من المتوقع أن تقدم الأحزاب الأمريكية برامج اقتصادية مبتكرة لجذب الناخبين، غالباً ما يسعى الحزب الجمهوري إلى خفض الضرائب وتخفيف التدخل الحكومي في الأسواق، في حين يميل الحزب الديمقراطي إلى زيادة الإنفاق على التعليم والرعاية الصحية، هذا التباين في السياسات الاقتصادية سيكون له تأثير مباشر على خطط الاستثمار والتمويل.
السياسات التجارية الحمائية
قد تلجأ الولايات المتحدة إلى استخدام سياسات الحمائية لكسب أصوات الناخبين، مثل فرض رسوم جمركية على المنتجات المستوردة. هذه الإجراءات قد تثير قلقاً في الأسواق العالمية وتؤدي إلى تحولات في أنماط التجارة الدولية.
تأثير الأزمات الجيوسياسية
النزاعات الجارية، مثل الحرب في أوكرانيا ولبنان وفلسطين، تضيف ضغوطاً إضافية على الاقتصاد العالمي، مما يؤدي إلى زيادة تكاليف الشحن والنقل. هذه الزيادات في التكاليف قد تؤثر سلباً على أسعار السلع والخدمات، مما ينعكس على الأسواق العالمية.
بعض الآراء والتوقعات حول خطة ترامب وهاريس الاقتصادية
ذكرت شركة “Piper Sandler & Co” أن المستثمرين الذين يتوقعون فوز ترامب يعززون استثماراتهم في أسهم القطاع المالي والعملات الرقمية، بينما يسعى المستثمرون الذين يراهنون على فوز هاريس إلى شراء خيارات على أسهم شركات الطاقة المتجددة.
وكانت قد تناولت صحيفة “الغارديان” التحولات الكبرى في الاقتصاد العالمي وتأثيرها على انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024، مشيرة إلى قمة بريكس الأخيرة في قازان.
وأظهرت القمة أن الأسواق الناشئة، التي تضم دولًا مثل البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، غير مستعدة للامتثال للضغوط الغربية، حيث انضمت إليها دول جديدة مثل مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات.
واعتبر الكاتب لارى إليوت أن القمة تمثل تحديًا لهيمنة الغرب، حيث تؤكد أن روسيا لا تزال قادرة على الصمود رغم العقوبات المفروضة منذ بداية الحرب في أوكرانيا.
كما بينت القمة أن الاقتصادات الناشئة الكبيرة، بما في ذلك الصين، ترفض الرضوخ للضغوط الغربية، مما يشير إلى بداية عصر جديد في العلاقات الاقتصادية العالمية.
في حين تسلط صحيفة “فايننشال تايمز” الضوء على البرنامج الاقتصادي لدونالد ترامب، حيث يعتزم فرض رسوم جمركية بنسبة 20% على جميع الواردات و60% على السلع من الصين، مما سيزيد من الأعباء على المستهلك الأمريكي عبر ارتفاع الأسعار.
وتظهر تقديرات صندوق النقد الدولي أن هذا التحول قد يقلل النمو الاقتصادي الأمريكي بنسبة نقطة مئوية العام المقبل، كما سيؤثر سلبًا على النمو العالمي.
بالمقابل، يُعتبر برنامج كامالا هاريس أكثر تقليدية، ولكنه يتضمن عناصر إيجابية مثل دعم حقوق الإنجاب للنساء. وتوضح اللجنة غير الحزبية للميزانية أن برنامج هاريس سيزيد الدين الفيدرالي بنصف ما سيفعله برنامج ترامب، بينما يمثل التحول إلى الطاقة المتجددة محورًا أساسيًا في أجندتها، موصوفًا بأنه “خدمة لأمريكا والعالم”.
ويصف البروفيسور رانا ميتر، الباحث المتخصص في الشؤون الصينية، الرسوم الجمركية التي اقترحها ترامب بنسبة 60% على السلع الصينية بأنها “أكبر صدمة للاقتصاد العالمي منذ عقود”.
تأتي هذه الخطوة ضمن سياسة “أمريكا أولاً”، التي تهدد بتكاليف باهظة على الصين وشركائها التجاريين، مما يزيد من الضغط على الاقتصاد العالمي.
بالإضافة إلى ذلك، يُظهر ترامب استحسانًا لعلاقته الشخصية بالرئيس الصيني شي جين بينغ، حيث أشار إلى أنه لن يحتاج لاستخدام القوة العسكرية في حال حدوث تصعيد تجاه تايوان، مدعيًا أن الزعيم الصيني “يحترمني ويعرف أنني مجنون”.
وفيما يتعلق بمواقف الحزبين، يتفق الجمهوريون والديمقراطيون على ضرورة التصدي لبكين كقوة صاعدة. لكن ميتر، أستاذ العلاقات الأمريكية الآسيوية في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، يرى أن إدارة هاريس ستؤدي إلى استقرار في العلاقات، بينما فوز ترامب سيعني تحولات أسرع.
كما ينبه ميتر إلى ازدواجية معايير ترامب بشأن موقفه من تايوان. ويعتقد زعماء الصين أن كلًا من هاريس وترامب سيتبنيان مواقف صارمة تجاههم، بينما تفضل بعض المؤسسات هاريس، حيث يُعتبر “عدو تعرفه خير من صديق لا تعرفه”.
وفي المقابل، ترى أقلية أن ترامب كرجل أعمال قد يتجه لعقد صفقة مع الصين، رغم أن ذلك يبدو غير محتمل. ومن جانب آخر أكد أوريليان سوساي، الباحث في معهد غرانثام بكلية لندن، أن فوز كامالا هاريس سيسهم في تجنب التأثيرات الاقتصادية السلبية المتوقعة على أوروبا إذا نفذ ترامب خططه التعريفية.
حيث يشدد سوساي على أهمية الرسوم الجمركية التي اقترحها ترامب، بما في ذلك الضريبة العالمية بنسبة 10% أو 20% على السلع الأجنبية وفرض تعريفة جمركية مستهدفة بنسبة 60% على السلع الصينية، إضافة إلى 100% على جميع السيارات المستوردة.
وأشار سوساي إلى أن هذه الزيادات في الرسوم قد تعيد تشكيل العلاقات التجارية وسلاسل التوريد الدولية، مما سيؤثر بشكل خاص على القطاع الأوروبي، وخصوصًا صناعة السيارات الألمانية.
وذكر أن التعريفة الجمركية على السيارات تستهدف بشكل رئيسي المركبات الكهربائية الصينية، لكن ألمانيا ستعاني من آثار اقتصادية ملحوظة.
من جانبه، أوضح أندرو كينينجهام، خبير الاقتصاد الأوروبي في كابيتال إيكونوميكس، أن هاريس لن تفرض تعريفات جمركية شاملة، ولا على حلفاء استراتيجيين مثل أوروبا، مما يعكس اختلافًا كبيرًا عن نهج ترامب. إميلي مانسفيلد، المديرة الإقليمية لأوروبا في وحدة الاستخبارات الاقتصادية، حذرت من أن السياسة الخضراء قد تصبح “نقطة اشتعال” في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في حال فوز كامالا هاريس. وأكدت أن إعانات صندوق التقاعد الفردي في الولايات المتحدة، والتي يُتوقع أن تستمر تحت قيادتها، قد تُسهم في تحويل الاستثمارات الخضراء بعيدًا عن الاتحاد الأوروبي، مما يثير مخاوف كبيرة.
بالإضافة إلى ذلك، ستفرض اللوائح الأوروبية الجديدة مثل آلية تعديل حدود الكربون (CBAM) ولائحة إزالة الغابات (EUDR)، المقرر تطبيقها في عام 2026، تحديات إضافية على الشركات الأمريكية. حيث تهدف CBAM إلى فرض ضرائب على بعض المنتجات المستوردة للحد من الاستعانة بمصادر خارجية في الدول ذات المعايير البيئية الأضعف رغم هذه المخاطر، ترى مانسفيلد أن فوز هاريس قد يؤدي إلى استقرار اقتصادي أكبر لأوروبا. في سياق منفصل، يعتقد المحللون أنه في حال انتخاب دونالد ترامب، من المرجح أن يرتفع التضخم مجددًا. ويرجع ذلك إلى التعريفات الجمركية التي قد تُفرض على الواردات، مما سيرفع أسعار السلع الأجنبية. علاوة على ذلك، فإن التخفيضات الضريبية المقترحة ومقترحات ترحيل العمال المهاجرين قد تزيد من التكاليف. في حال حدوث زيادة في التضخم، قد يتخذ بنك الاحتياطي الفيدرالي إجراءات برفع أسعار الفائدة، مما سيؤدي إلى ارتفاع عائدات السندات ويعني أن الحكومة ستقترض بمعدل 1%.
في المجمل، إن انتخابات 2024 ليست مجرد حدث سياسي، بل هي نقطة تحول قد تحدد مصير الأسواق والاقتصادات العالمية. يتوجب على المستثمرين والشركات البقاء على أهبة الاستعداد ومراقبة تطورات هذه الانتخابات عن كثب، فالمستقبل الاقتصادي قد يتشكل بناءً على نتائجها.
“رأي اليوم”