هل تنهي الانتخابات حالة الانقسام بأميركا؟

بالرغم من أن النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية الأميركية لم تعلن بعد، إلا أن النتائج الأولية ترجح كفة بايدن على ترامب، علمًا أن فرصة ترامب بالفوز ما زالت قائمة حتى كتابة هذا المقال. هذه الانتخابات والتي شهدت نسبة مشاركة عالية وتاريخية كشفت عن مدى الانقسام الذي تعيشه الولايات المتحدة الأميركية بهذه المرحلة. يمكن توصيف الانقسام بأنه يدور حول «روح أميركا» أو جوهر القيم التي تميزها عن غيرها من المجتمعات.
أربع سنوات من رئاسة دونالد ترامب عززت هذا الانقسام وكادت أن تأخذ الولايات المتحدة باتجاهات مناقضة لمسيرتها السياسية التاريخية عالميا ومحليا.
نجاح ترامب في رئاسته الأولى جاء على أساس خطاب شعبوي انعزالي كان شعاره أميركا أولًا والتي تجلت بسياسته الخارجية الانعزالية وانسحابه من العديد من الاتفاقيات الدولية التي كانت ملتزمة بها الولايات المتحدة علاوة على الطريقة الاستعلائية العدائية أحيانًا اتجاه بعض الدول المنافسة. أما على الصعيد الداخلي فكان سلوك ترامب وخطابه معاديًا للحريات والحقوق التي ترسخت في المجتمع الأميركي على مدى عقود من الزمن وخاصة تلك المرتبطة بالأقليات والمرأة والأجانب والحقوق المدنية للعديد من الفئات الاجتماعية. بالمقابل، كان لهذه السياسة أثر إيجابي كبير- ولو مؤقتًا- على الاقتصاد الأميركي، وخلق فرص العمل، وتراجعت نسبة البطالة إلى مستويات غير مسبوقة مما كان له أثر إيجابي على تعزيز فلسفته ونهجه الانعزالي في إدارة البلاد، وعززت من دعمه لدى اليمين القومي والديني المتطرف بالولايات المتحدة، مما أدى إلى إيجاد كتلة انتخابية قوية له لم تتأثر من حدة الانتقادات التي تعرض لها والأخطاء التي ارتكبها خلال ولايته.
بالمقابل، كان المعسكر الديمقراطي بشقيه الليبرالي واليساري المعارض لسياسة ترامب يدافع عن القيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ارتكزت عليها الولايات المتحدة سواء كان ذلك في العلاقات الخارجية وخاصة العلاقات التاريخية مع الحلفاء ودعم جهود الديمقراطية عالميًا أو الالتزام بالاتفاقيات الدولية والتي تجلت في الإيمان بالعولمة اقتصاديًا ولدرجة أقل سياسيًا. هذا المعسكر الأكثر تنوعًا من معسكر ترامب كان يركز داخليًا على قيم المساواة والعدالة وخاصة بالنسبة للعلاقات الإثنية داخل الولايات المتحدة وحقوق المرأة والحريات الفردية والحقوق المدنية.
هذا الانقسام أثر بشكل كبير على نسبة الاقتراع بهذه الانتخابات والتي وصفت بالتاريخية والتي تعتبر مؤشرًا على حدة الصراع والتنافس على روح أميركا كما أسلفنا سابقًا.
بغض النظر عن الفائز بهذه الانتخابات، مع ترجيح فوز بايدن، إلا أنها قد تكرس هذا الانقسام بدلًا من أن تضع حدًا له. التقديرات المتشائمة ترجح الانزلاق إلى صدامات عنيفة بين أنصار ترامب وبايدن وخاصة في بعض الولايات التي يتركز بها الدعم الأكثر لترامب، حيث قام بتأجيج مشاعر مناصريه عندما صرح بأنه إذا نجح بايدن فهذا يعني أنه تم تزوير الانتخابات وأنه سوف يذهب للمحكمة العليا للاعتراض عليها. هذا متوقع بهذه المرحلة لأنه يريد أن يبرر فشله في حال عدم نجاحه. من الواضح أن تهديدات ترامب تؤخذ على محمل الجد من الجهات التنفيذية حيث أن الحرس الوطني عزز من تواجده في المدن والمناطق الرئيسية لمحاولة تطويق أي تداعيات لفشل ترامب في الفوز بهذه الانتخابات.
بالمقابل في حالة فوز ترامب فمن المرجح أن يتجه الحزب الديمقراطي لمحاولة عزل ترامب عن رئاسة الجمهورية بالطرق والقنوات القانونية المتاحة.
الاحتمالات بعد النتائج ما زالت مفتوحة، ولكن الكل يعوّل على قدرة المؤسسات الديمقراطية بإعادة التوازن ومنع الانفلات الأمني والصراع المفتوح وسيادة المنطق الديمقراطي بتقبل إرادة الناخبين. وإعادة اللحمة للمجتمع الأميركي وخاصة في حالة فوز ترامب.

أخبار أخرى