صدى الشعب – كتب: سليمان أبو خرمة
يقال بالمثل الشعبي آب اللهاب، اقطف العنب ولا تهاب وايضاً التغيير اللي ما فيه فايدة، مثل المي في الغربال، وهذا تمامًا ما يخشاه الشارع الأردني وهو يترقب التعديل الوزاري الأول على حكومة الدكتور جعفر حسان؛ تعديلٌ يبدو وشيكًا، لكنه لا يزال محاطًا بصمت ثقيل، ورهانات متعددة على مخرجاته.
والحديث عن التعديل لم يعد مجرد تسريبات صحفية أو شائعات سياسية؛ بل تحوّل إلى حقيقة واقعة، تُدار بحذر داخل “المطبخ السياسي”، وبتكتم مقصود من رئيس الوزراء نفسه، غير أن دلالات التوقيت، ونبرة الترقب العالية، تُوحي بأن الأمر يتجاوز مجرد “تدوير وزاري تقليدي”، بل يتجه نحو إعادة هيكلة جزئية.
حسان، الذي دخل الدوار الرابع في لحظة سياسية مفصلية، يدرك أن صمته الإعلامي لا يُغني عن الحاجة إلى أداء وزاري فعّال ومنسجم، فالمرحلة المقبلة بكل ملفاتها الضاغطة من الموازنة العامة، إلى مشاريع التحديث، إلى الدورة البرلمانية المقبلة، إلى ظروف اقليمية صعبة تتطلب فريقًا وزاريًا يمتلك الكفاءة والانسجام والقدرة على المواجهة، لا مجرد التماهي مع الشكل.
ويبدو أن الرئيس حسب ما تكشفه المؤشرات لا يبحث عن “وزراء يجيدون التصفيق”، بل عن شركاء تنفيذيين قادرين على مواكبة رؤيته السياسية والاقتصادية والإدارية، التي تعهّد بها في رده على كتاب التكليف الملكي، الرؤية التي تقوم على الإنجاز الفعلي لا على التجميل الخطابي.
ويتجنب حسان الإدلاء بأي تصريحات أو تلميحات عن التعديل، ما يدل على حرصه على ضبط الإيقاع السياسي بعيدًا عن الضجيج المعتاد، ورفضه الواضح للخضوع لضغوط النخب أو المؤثرين أو حتى المزاج اللحظي على مواقع التواصل الاجتماعي.
في المقابل، يعتمد الرجل على “رصد داخلي دقيق” لكل ما يُقال ويُكتب ويُشعر به في الشارع، بما في ذلك تقييم أداء وزرائه، وقراءة المشهد البرلماني، واستشراف متطلبات المرحلة المقبلة، وهو ما يجعل التعديل الوزاري أقرب إلى “عملية جراحية هادئة”، لكنها حاسمة.
والتعديل يأتي على أعتاب دورة برلمانية متوقعة أن تكون صاخبة، من حيث الاستجوابات والتشريعات، والاحتكاك المباشر مع الشارع، في هذا السياق، يسعى حسان إلى تحصين حكومته بفريق يمتلك القدرة على إدارة هذا الاشتباك السياسي بأدوات موضوعية، لا مجرد دفن الرأس في الرمال أو الاختباء وراء البيانات.
وبمعنى آخر، فإن التعديل المرتقب قد يكون بمثابة استعداد لمعركة سياسية محسوبة، لا مجرد تلبية لشروط الأداء أو الإخفاقات الفردية.
ومن هنا، فإن الحقائب المستهدفة لن تكون فقط تلك التي “أخفقت” إداريًا، بل تلك التي ستتحمل عبء المواجهة التشريعية والإعلامية والشعبية.
وفي نهاية المطاف، يدرك الرئيس أن التعديل ليس نهاية المطاف، بل بداية جديدة لفريق يجب أن يكون أكثر تماسكًا، وأكثر قدرة على تنفيذ ما بدأ، بعيدًا عن المجاملات أو الترضيات، لا أحد يتوقع أن يأتي التعديل بكل الإجابات، لكن الأمل أن لا يكون “كالماء في الغربال” تغييرات شكلية لا تُلامس جوهر التحديات.
وإذا أراد حسان فعلاً أن يُحدث فارقًا، فعليه أن يُراهن على الوجوه القادرة لا المجرّبة، وعلى الكفاءة لا التوازنات، وعلى العمل لا الكلام، أما إذا أعاد إنتاج الوجوه ذاتها، أو خضع لحسابات لا علاقة لها بمصلحة الناس، فإن التعديل مهما بدا هادئًا ومدروسًا سيكون مجرد تكرار لدورة فقدان الثقة، وهو ما لا يتحمّله الأردن اليوم، لا شعبيًا ولا اقتصاديًا، ولا حتى سياسيًا.





