صدى الشعب – رغد الدحمس
علقت خبيرة العلوم السياسية الدكتورة اريج جبر على المفاوضات القائمة في القاهرة منذ مساء السبت بين حركة المقاومة الإسلامية “حماس” والاحتلال الاسرائيلي.
وقالت، إن المفاوضات الجارية في الوقت الراهن في القاهرة تأتي استكمالًا لسلسلة من الجولات والتي جرت بين الدوحة والقاهرة، وقد سبقها الاتفاق الإطاري “باريس”.
وأوضحت، أن هذه الجولة تأتي كنتيجة حتمية للضغوط الدولية ومساعي القوى الإقليمية كـ(قطر ومصر والولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى المجتمع الدولي) وذلك بحثًا عن خطة لتأطير الصراع وإيجاد حلًا للعدوان الذي يشنه الكيان المحتل على قطاع غزة بمخرجات تفضي لوقف اطلاق النار.
وأشارت جبر إلى أن التقارير أظهرت في هذه الجولة من المفاوضات، وفق ما تم تسريبه وبناءً على تصريحات من مصادر مطلعة وبقراءة استشرافية يمكن معها القول حتى اللحظة المفاوضات تراوح مكانها ولم تحرز أي تقدم إيجابي، بالإضافة إلى غياب نقاط الإلتقاء أو الاتفاق بين قطبي المعادلة (الكيان المحتل والمقاومة) بمعنى لا توجد أرضية صلبة للمفاوضات، يمكن التوافق حولها والوصول إلى وقف مستدام لإطلاق النار، ومع ظل هذه الظروف فإن التفاؤل بصفقة مستدامة لوقف إطلاق النار يظل مبكرًا وحذرًا .
كما أوضحت جبر أيضًا أن أهم نقاط التنازع والخلاف هو الممر (نتساريم) الذي أقامه الكيان المحتل خلال أحداث طوفان الأقصى، بشكل يفصل قطاع غزة إلى نصفين، شمالًا وجنوبًا يمثل عقبة أساسية، إذ تشترط المقاومة إنهاء العمل به ووقفه بشكل تام بما يسمح بعودة أمنة وبحرية تامة للنازحين من المدنيين في قطاع غزة، في حين ترفض ذلك بشكل قطعي حكومة الكيان.
وتابعت جبر يرتبط بذلك شرط حركة المقاومة الإسلامية حماس، هي العودة الكاملة لجميع النازحين إلى منازلهم في شمال ووسط قطاع غزة، بشكل اختياري وطوعي وبحرية تامة للحركة دون أن يكونوا أهداف ثابتة للكيان، ودون الإشارة إلى خلق ممرات أمنة وهذا ما لا يمكن الوثوق به من جانب الكيان، فالنازحين فريسة سهلة وجاهزة للكيان كما كان المشهد منذ السابع من أكتوبر.
كما تسعى حماس لتحقيق شرط أخر لا يمكن أن يكن جزء من المفاوضات أو المساومة يقضي بإيصال مساعدات غذائية ودوائية ووقود ومساعدات أخرى طارئة بشكل كامل إلى قطاع غزة شمالًا وجنوبًا، بالإضافة إلى ذلك، تشترط تاليًا خطوط عامة لصفقة تبادل للأسرى الفلسطينيين مقابل المحتجزين في الكيان المحتل وهذه أهداف تقارب المتوقع ميدانيًا ويحفظ حق المقاومة ويرقى لقيمة التضحيات المقدمة في غزة.
وأشارت إلى أن الجديد في هذه المرة هو مرونة المقاومة في المفاوضات والتعاطي بروحٍ إيجابية ، حيث وافقت على أن يكون الحل مرحليًا بدلًا من تجسيده دفعة واحدة، تم تقديم الحل في ثلاث مراحل، شريطة أن يتم ضمانها بواسطة ضامنين دوليين، هما الولايات المتحدة ومصر وقطر.
أكدت أيضًا على طلب قوى المقاومة بوجود تركيا كضامن دولي ولكن تم غض النظر عن ذلك مقابل ذلك ضرورة كتابة شروط الصفقة، نظرًا لسابقة انسحاب الكيان المحتل من الاتفاقيات والاخلال بها.
وأشارت إلى رفض الكيان المحتل لشروط المقاومة، وعدم استعداده للتنازل أو المرونة في هذا الملف، حيث أرسل وفدًا منخفض المستوى سياسيًا دون صلاحيات رسمية للتفاوض أو اعطاء موافقة ، هذه المشاركة جاءت بسبب ضغوط الولايات المتحدة الأميركية.
كما أشارت إلى أن التسريبات التي تقول بوجود انفراج في المفاوضات، والتي تقترن بإمكانية وقف إطلاق النار، لا يمكن الاعتماد عليها كثيرًا، وقد تكون هذه التسريبات محاولة للضغط على المقاومة وإرغامها على الاستسلام لشروط الكيان المحتل والأطراف الدولية، وتشير إلى وجود مصالح عربية ودولية متداخلة في هذه الصفقة.
وأشارت إلى أن مصر تلعب دورًا رئيسيًا كحاضنة دولية عربية في رعاية تلك المفاوضات، حيث تسعى للحفاظ على مكانتها ودورها في المشهد السياسي العربي. كما أنها تتحكم في المعبر، مما يجعل الاستجابة للضغوط المصرية ضرورية للمقاومة، لتجنب إغلاق معبر رفح وتفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة.
وأضافت، أن مصر ترغب في منع تصاعد الوضع داخل قطاع غزة وانتقال الصراع إلى الضفة الغربية وتفجر انتفاضة جديدة ومن ثم انتقال الصراع إلى المنطقة العربية بشكل عام، وتهدف إلى منع تحول النزاع إلى صراع إقليمي لا يمكن معه توقع النتائج أي أن مصر تسعى للحفاظ على استقرار المنطقة.
وأوضحت، أن هناك إنقسامًا داخل كابينت الحرب وأيضاً داخل المجلس الوزاري الحكومي الموسع في تل آبيب وهذا ما عكسته التظاهرات اليوم، والتي تشهد إنقسامًا كما المشهد السياسي بشكل واضح، فهناك تظاهرات تطالب باستقالة نتنياهو وتشكيل حكومة جديدة أقل تطرفاً وأقل تصلباً في موقفها السياسية وتستكمل عقد صفقة وعودة الأمان للكيان المحتل في حين هناك تظاهرات تدعم الموقف المتشدد للكيان ويدعو لاستكمال الحرب واجتياح رفح.
وبينت أيضًا، أن هذا الانقسام يعكس الصراع بين الفصائل السياسية المختلفة، حيث يرغب كل من غانتس وإيزنكوت ولابيد في قيادة المشهد السياسي بشكل أكثر مرونة ومن ناحية أخرى، هناك تظاهرات مضادة قادها اليمين المتطرف وحزب الليكود، بالإضافة إلى بنيامين نتنياهو نفسه، يرفضون المساومة في المفاوضات، معتبرين أن الوصول إلى صفقة يعد هزيمة واستسلام لقوى المقاومة، وأن الحرب هي السبيل الوحيد لتحقيق الأهداف.
وأشارت إلى أنه وبالنسبة لنتنياهو، يعتبر استمرار العدوان على قطاع غزة واجتياح رفح، هو إعلان للنصر بغض النظر عن نتائجه، بالفعل، قام بعمليات في رفح ولكن بشكل لا يمكن وصفه بالاجتياح التام، ولكن المشهد القادم يتوقع أن يكون اجتياحًا نوعيًا بأهداف مركزية، وهذا يعني أنه سيكون له تأثير كبير وقد يؤدي إلى كوارث جديدة تضاف إلى الأحداث الفظيعة التي حدثت في قطاع غزة تندرج في اطار الابادة وجرائم الحرب.
وأوضحت، أن نتنياهو لا يرغب في أي صفقة بأي شكل من الأشكال، بل يقوم بإعطاء إبر تخدير للشارع في تل أبيب بإشاعة فكرة قدوم صفقة قادمة، يرغب فقط عرقلة تلك المفاوضات وتمديد فترة حكمه وعمره السياسي، وتجنب المسؤوليات الدولية، وارتكاب المزيد من الجرائم والانتهاكات في قطاع غزة.
وأشارت إلى أنه في الوقت الحالي لا يمكن أبدًا التفاؤل بوجود صفقة قادمة، حيث تظل الخلافات كبيرة للغاية بين المقاومة والكيان المحتل، ولا يمكن الاعتماد على حسن نية الولايات المتحدة الأميركية في تلك المفاوضات، حيث تسعى بالأساس لمصالحها الخاصة وللبقاء متسيدة للمشهد السياسي في الشرق الأوسط، وتعتبر هذه المفاوضات حملة تسويقية لصالح جو بايدن في الانتخابات المقبلة، ولذلك يجب أن تبقى الولايات المتحدة الراعية الأولى والأخيرة لعمليات السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.