صدى الشعب – كتبت تغريد جميل قرقودة
ليست المرأة نصف المجتمع فحسب، بل هي جوهره، روحه التي تحيا بها الأيام، ونبضه الذي يمنحه الاستمرار. المرأة ليست مجرد كائن عابر في مسيرة الحياة، بل هي اللبنة التي يقوم عليها البناء، والظل الذي يحتضن الحائر، والنور الذي يرشد التائه. تعطي دون حساب، تحب بلا قيد، وتصنع من سنواتها حياةً لغيرها، ثم تمضي كأنها لم تكن إلا نسمةً مرت دون أن تُرى، لكنها تُشعَر.
إنها لا تحتاج إلى شهادة تثبت قيمتها، ولا إلى كلمات تُمجّد وجودها، فالمرأة تُعرَف بعطائها، بتضحياتها التي تُزرع في تربة الأيام دون أن تنتظر موسم حصاد. تحمل هموم من تحب، تمنح دون أن تسأل، تصبر دون أن تشتكي، وتتقن فن الصمت حين يصبح الكلام لا معنى له.
حين يصبح الصمت لغة القوة
المرأة التي تُحب من خلاياها لا تنكسر بسهولة… لكنها إن انكسرت، تُعيد ترتيب أنوثتها على هيئة صمت لا يُغفر. لا تندم على العطاء، لكنها تتأمل كيف صار العطاء عبئًا على كفّيها، كيف منحت من سنوات عمرها مواسم خضراء للآخرين، ولم يكن الحصاد يومًا لها. كيف صارت أيامها سجلاً من التضحيات الجميلة، دون أن يُقال لها: شكرًا. لكنها لا تنتظر الاعتراف، فقد أدّت رسالتها بصمت، وارتفعت على سطح الجحود كزهرةٍ تنبت من حجر، ترفض أن تذبل.
ليست بحاجة لأن يُقال لها إنها عظيمة، فهي تدرك ذلك في صبرها الذي لم يُرَ، في دموعها التي لم تسقط، في انتصاراتها التي لم يُصفَّق لها. هي التي إذا ضاقت الأرض، وسَّعتها بصبرها، وإن انطفأت المصابيح، أشرقت من ذاتها، وإن غادرها الآخرون، بقيت رغم الوحدة شجرةً لا تميل.
كما قال جبران خليل جبران:
“إن المحبة لا تعرف عمقها إلا ساعة الفراق.”
وأقول أنا: “المرأة التي تهب عمرها دون أن تطلب شيئًا، إنما تعلّم الجميع كيف يكون الوفاء فطرةً لا فضلًا، وعطاءً لا دينًا مستحقًا.”
“المرأة التي تعطي بلا شرط، لا تندم حين تُخذل… بل تَصمُت كي لا تُسمع خيبتها لمن لا يهمه وجعها.”
هي لا تنتظر الاعتراف، ولا تُراهن على المقابل، لكنها تظل، ببساطة، ذلك الكائن الاستثنائي الذي كلّما أُغفل، ازداد بريقًا