مساء السبت، انتظر الأردنيون أي بيان أو كلمة أو إشارة أو حتى تلميح من القنوات الرسمية، لكي يستطيعوا أن يفهموا ما الذي يحدث في بلدهم. كان هناك خوف كبير يسيطر على كثيرين. حتى البيان العسكري الذي صدر، لم يكن يقول أكثر مما يعرفه الجميع. كان الترقب والتوتر يطغيان على أجواء بيوت الأردنيين، فأمن بلدهم على المحك. لكن لم يتصد أحد لمهمة طمأنة الأردنيين!
نحن هنا لا نتحدث عن حادث عرضي أو بسيط، بل عن مسألة أمن وطني كامل، وأحاديث عن مؤامرة محكمة ضد السيادة والأمن، لذلك كان أولى بأجهزة الدولة أن تسارع إلى وضع النقاط على الحروف، وأن تطمئن الأردنيين بأن بلدهم بخير.
كان يمكن للبيان الذي قرأه نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية أيمن الصفدي أمس أن يأتي في وقت أبكر من ذلك، كان يمكن له أن يكون مساء السبت، لكان وفّر الكثير من الجهد على المواطنين الذين بحثوا عن أي معلومة من أي مكان أو مصدر، فالمهم هو تلبية فضولهم لمعرفة ماذا يحدث، وإلى أي مدى يمكن للوضع أن يكون خطيرا.
في المحصلة النهائية، غاب صوت الأردن، وكثرت الأصوات من الخارج، والتي أخذت على عاتقها أن تقود سيناريوهات كثيرة ومتعددة الأوجه لما جرى في الأردن. بعضها خارج عن سياق المعقولية والمنطق، وأخرى أمالت نفوس الأردنيين وقلوبهم إلى السياق «العاطفي» الذي بنت حجتها عليه. وما بين الفريقين دخل فريق ثالث في باب التفسيرات والتأويلات، فكثر الطباخون، وأدخلوا الأردنيين في دوامة كبيرة من الأسئلة التي لا تجد أي إجابة!
اليوم لا ندري كم هي نسبة الأردنيين الذين تأثروا بما سمعوا من روايات وإشاعات منذ بدء توارد أخبار العملية الأمنية وحتى وقت المؤتمر الصحفي للصفدي عصر أمس. كان ثمة الكثير من الوقت الذي يمكن أن يشكل توجهات مهمة في وجدان الأردنيين، وكان يمكن استثمار مثل هذا الوقت الكبير لتشتيت انتباه المواطنين عن كل ما يمكن أن يتم نسجه من روايات وحبكات تدغدغ أحلام آخرين وتلبي رغباتهم غير الوطنية.
غاب صوت الأردن، وحضرت الأصوات الأخرى من كل اتجاه. وهذا خطأ جديد متكرر تقع فيه الدولة الأردنية من خلال تغييب الرواية الرسمية، لتفتح الباب إلى الأقاويل أو التكهنات. هذا خطأ حصل كثيرا، لكن ورغم تكراره فإننا لم نتعلم أن نتلافاه.
الدكتورة وفاء الخضراء، وهي صوت وطني حقيقي وغيور، تكتب أمس على صفحتها على فيسبوك معلقة على هذا الأمر بالقول: «غياب الرواية الأردنية عن ما حدث ويحدث في الأردن في الوقت الراهن، يترك المجال لكل أشكال التأويل بأن يكون بديلا لهذه الرواية الرسمية». نؤكد أن هذا الأمر تبدى بوضوح قبل أن تقرر الدولة عقد مؤتمر صحفي للكشف عن روايتها.
ما الذي يمكن أن تمنحنا إياه هذه الحادثة من خبرة للمستقبل؟
ببساطة، تقول لنا إن إعلام الدولة بأكمله ينبغي أن يطور من خطابه وآلياته، وأن يتصف بالشفافية في مثل هذه المواقف والأحداث المهمة، لكي لا يرتمي المواطن في حضن قنوات أخرى تبيعه روايات ذات أغراض تتكئ على رغبات مؤلفيها.
المطلوب استراتيجيات تعامل مختلفة مع المواطن ومع الإعلام المحلي الذي ينبغي أن ينظر إليه على أنه حامل للرواية الرسمية في مثل هذه القضايا المصيرية، لا على أنه إعلام غير راشد وإبعاده عن المشهد برمته!