كتب. بشار الجرار
لا هذه ولا تلك. بعض من يتصدون أو يكلفون بمخاطبة الآخر لم يتمكنوا من الخروج من دائرة «خطب ودّ» الأنا أو ما تمثله! لهذا مكتوب على ذلك النوع من الخطاب أن يدور في حلقة مفرغة
أخط هذه السطور بعد تجربة لا أسمح لنفسي بذكر تفاصيلها، احتراما للجهة الداعية في إحدى العواصم الأوروبية، ول»متعهّدها» في واشنطن. كانت دعوة لإلقاء كلمة وللحوار في قضية تصدرت الأخبار، تكاد تكون موضع إجماع على الصعيد الإنساني والقومي، لكنها ذات أبعاد قانونية وتداعيات سياسية حساسة
حصلت -نزولا على إلحاحي- على تعهدات من الجهة الداعية والوسيط بأن يكون المنبر حرا متعدد الآراء، إثراء للنقاش. ورغم الإعلان الترويجي الاستباقي للقاء عبر منصات التواصل الاجتماعي، اضطررت للاعتذار عن المشاركة كون «التعددية» صورية، والحوار الافتراضي كان»أحادي الجانب». كما نعيب دائما على «الآخر»، كانت «المعايير مزدوجة»!
ذكرتني هذه التجربة قبل أيام، بكثير من الرسائل العظيمة التي لم تصل بسبب القائمين على إرسالها. ومع أن الأسطوانة الأكثر رواجا -وقد ثبت أنها مشروخة- هي تحميل «المسؤول» أو الصف الأول المسؤولية، فإن كثيرا من الأخطاء الكارثية تقع بسبب من يصفون الصف الثاني، أو وكلاء وكلائهم! لذلك يضطر كثيرون إلى رفع الأمور ل «فوق» على أمل الوصول إلى رأس الهرم أو «النبع»، فيرتوي الجميع من «المصدر» دون تشويش على «الرسالة» أو تشويه لل «صورة»
حقا «الجاهل عدو نفسه».. للأسف، وصل هذا الداء إلى من كان من المفترض أن يكونوا أبعد الناس عنه، وهم العاملون في المؤسسات الأكاديمية والثقافية والإعلامية. بطبيعتها، لا تزدهر تلك الجهات، ولا تصل رسالتها إلا بالتواصل، وهو بالضرورة قائم على الحوار. ولكل، مفرداته وثقافته التي لا مندوحة عن توافقها مع «الآخر» المستهدف، وإلا كنا كمن «يحكي مع حاله»!
شهدت في لندن وواشنطن على مدى عقدين، كثيرا من دعوات الحوار المفتوحة والمغلقة (الخاصة)، غالبا ما وقع -كثير من المؤسسات ذات الصلة أو الاهتمام بالشرق الأوسط- في كارثة الحوار أحادي الجانب، والذي لا يعني سوى «بروباغاندا» سيئة الصيت
ورغم تسميتها ب «ليب سيرفيس» أو الكلام الأجوف المعسول والمخادع، فإن بعض السياسيين -شرقا وغربا- يطربون إلى ذلك، رغم معرفتهم بأنه محض رياء وغثاء.. المحرج أن هذه الآفة صارت عالمية، وكأن البعض ما زال مخدوعا، بأن هناك من يسمع أو يرى أو يتابع هذه الملايين المهدورة على «الحكي» في دائرة مفرغة بين مجموعة «كلامانجية» و «جمهور عايز كدة»، كما يقال بلهجة أشقائنا في «أم الدنيا»، مصر الحبيبة