صدى الشعب – كتب المهندس مدحت الخطيب
بعد انطلاق الثورة السورية وتبدل الأحوال وقلة موارد الغاز والبترول والصناعات المحلية وتراجع الزراعة، دخل النظام السوري في أزمة مالية فلم يجد لها حلًا إلا بخلق تجارة رابحة ولها رواج كبير، ألا وهي تجارة المخدرات (الكبتاجون)… حيث تشير البيانات الحكومية البريطانية إلى أن سوريا أصبحت بعد عام 2012 تنتج ما يزيد عن 70% من الإنتاج العالمي من حبوب الكبتاجون، ومن المعروف أن المخدرات التي يتم تصنيعها في سوريا تُهرّب إلى العديد من الدول المجاورة مثل الأردن ولبنان والعراق، بالإضافة إلى أسواق ضخمة في دول الخليج.
وقد أصبحت هذه المنتجات في السنوات الأخيرة تشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن والاستقرار في هذه البلدان، وأثر ذلك وبشكل واضح على الدول المجاورة وخصوصًا الأردن، حتى أصبح الأمر لا يُطاق وتعالت الأصوات بالتدخل الحكومي فلا يخلو أسبوع إلا ونجد بيانًا يصدر عن القوات المسلحة الأردنية يتحدث عن ضبط كميات كبيرة وتنفيذ قواعد الاشتباك مع عدد من المهربين والنيل منهم داخل وخارج الشريط الحدودي…
بصدق، كنا في الأردن على يقين أن رجال إيران والمتنفعين داخل النظام من وجودهم هم من يتاجر بذلك، وهم من يروج ويصنع ويهرب هذه المواد القذرة، وأن جيش من الشبيحة هم من يقوم بذلك وبإشراف من ماهر الأسد وقادة الفرقة الرابعة والتي كانت لهم اليد الأولى في ذلك، فهم يعملون عليها جهارًا نهارًا على إغراق دول الجوار بهذا السُم اللعين..
حتى وصل الأمر بالقيادة الأردنية، وبعد الصمت المطبق من النظام في دمشق، وبعد الكم الهائل من التحذيرات والطلب المتكرر من الحكومة الأردنية بضرورة ضبط الحدود، وأن يقوم الجيش السوري بالتعاون في ذلك وتحقيق ردع ولو بسيط أمام هذه الجهات، إلا أن الطلبات الأردنية كانت تقابل بالصمت وعدم الاستجابة، حتى وصل الأمر بأن تتدخل القوات المسلحة الأردنية وحدها في ذلك حماية للوطن والمواطن، وبالفعل تدخلت طائرات سلاح الجو الأردني لأكثر من مرة وقصفت العمق السوري، وقامت بهدم عدد من أوكار ومصانع المهربين والنيل من قياداتهم المتواجدين بالقرب من الشريط الحدودي…
هذا كله معلوم لنا، ولكن الأمر الأشد غرابة هو ما علمناه بعد سقوط النظام وانتشار الفيديوهات عن ذلك، وخصوصًا ما قيل حول الفرقة الرابعة والانتشار الكبير للمصانع داخل المواقع العسكرية..نعم المواقع العسكرية أو ما كان يطلق عليهم (حماة الديار)، وبالتأكيد كانت تجري هذه الأمور بعلم ومعرفة الرئيس الهارب خلسة إلى روسيا، وبدعم ومباركة من قائد الفرقة الرابعة الهارب والمهرب الأكبر ماهر الأسد..
نعم:- كانت الفرقة الرابعة الباب الأوسع لصناعة الكبتاجون والترويج له، ومن المُبكي أن يتحول حماة الديار إلى حماة المخدرات والدمار، وأن يمتهن العسكري تجارة المخدرات بدلًا من خدمة الوطن والدفاع عن ترابه وتراب أمتنا العربية والإسلامية…
كلنا يعلم أن الأزمة السورية تتخطى حبوب «الكبتاغون»، وأن الانقسامات السورية حولت سوريا -الغارقة في نزاع دام منذ 14 عامًا- إلى دولة على حافة الهاوية، وباتت سوريا مركزًا أساسيًا لشبكة عالمية من الإرهاب والتجارة غير المشروعة…في العام 2021، ووفق بيانات رسمية، صادرت القوى الأمنية في تلك الدول أكثر من 400 مليون حبة من «الكبتاغون».
وبحسب ما أظهرت مضبوطات من العام 2022، يبدو أن صادرات «الكبتاغون» ستفوق ذلك العدد، وبالتأكيد عام 2023 كان أكثر وأوسع، طبعًا، هذا ليس الا رقم بسيط جدًا مقارنة بما لم يُضبط…
يقول مسؤولون أمنيون إنه، مقابل كل شحنة يتم ضبطها، تصل تسع شحنات أخرى إلى وجهتها، والمستفيد الأول من هذا كله هم ماهر الأسد وعدد من الشبيحة، وجُلّهم يدورون في فلكه لا فلك الدولة السورية..
نشرت كارولين روز من معهد نيولاينز تحقيقًا حول صناعة الكبتاغون، فضحت فيه نظام الأسد، وتحدث التقرير عن الفرقة الرابعة بالاسم وأنها «لعبت دورًا أساسيًا في حماية وتسهيل وتهريب الكبتاغون في حمص واللاذقية ودرعا، وفي نقل الشحنات إلى مرفأي طرطوس واللاذقية»، وذلك على مسمع ومرأى بشار وماهر الأسد وقيادته…
لذلك ومن واجبنا في دول الجوار وبعد سقوط النظام ودخول مليشيات من كل حد وصوب منها ما زال مدان بالارهاب حتى وإن استخدمت مساحيق لتجميل صورتها وصورة قيادتها فمنهم ما زال على قائمة المطلوبين عالميا الى اليوم، أن نقف صفا واحدا لحماية حدودنا أولا ومساعدة الشعب السوري في بناء سوريا الجديدة عنوان الأمل العربي الغائب عنا بالفعل لا بالشعارات منذ سنوات..
وأن لا يمتد شرّ ما حدث ويحدث إلى لبنان والأردن والعراق وتركيا والمنطقة بأسرها وأن يختار الشعب السوري العظيم من يقوده الى برالأمان وأن تعود الشام كما كانت قلب العروبة النابض..
في الختام أقول: عندما سقط نظام الأسد، تعجب الكثير من المحللين من ذلك ومن سرعة السقوط، ونَسُوا أن نظامًا قام على حبوب الكبتاجون والسجون والمعتقلات والنيل من أبناء البلد واذلالهم وكسر إرداتهم من السهل أن ينهار بلمح البصر…