لا أحد يرضى أبدا في الأردن

 

عاصفة الوباء، لم تترك شيئا على حاله في العالم، وإذا كانت دول عظمى تنهار تحت وطأة الوباء، فإن حالنا في الأردن، أهون بكثير، من غيرنا، من حيث الضرر الصحي والاقتصادي.
لكن اللافت أن لا أحد يرضى أبدا في الأردن، والجمهور منقسم إزاء الإجراءات الرسمية، فإذا تقرر، مثلا، إغلاق كل شيء، على ذات طريقة بداية الأزمة، احتج نصفنا، بسبب الضرر الاقتصادي، ورحب بعضنا بسبب الحماية الصحية المترتبة على ذلك.
الأمر ينطبق على التعليم، إذ إن هناك قطاعات واسعة تحتج على التعليم عن بعد، بسبب ضعف تحصيل الطلبة، الذي تراهم للأسف في الشوارع يلعبون ولا يدرس أغلبيتهم، فيما يرحب جزء أقل من الجمهور، باعتبار أن التعليم عن بعد، خيار المستقبل، وأن بقاء الطلبة في بيوتهم يحمي صحتهم، وأن على العائلات تحمّل مسؤوليتها، بدلا من الشكوى والتذمر.
إذا ذهبنا مثلا إلى حظر الجمعة، تجد جانبا من الجمهور يحتج بشدة ويسأل عن جدوى الحظر، خصوصا، من القطاعات الاقتصادية، فيما هناك من يرى حظر الجمعة فرصة للتوقف، والاستراحة، وكسر حلقات نقل العدوى وتحديدا عبر الجانب الاجتماعي.
مما يقال بصراحة هنا أن أخذ الاعتبار للرأي العام في الأردن، بشأن إجراءات الحكومة، أمر مهم، لكنه ليس مهما دائما، إلا إذا أجمع كل الجمهور على رأي واحد، لكن الحاصل أن الناس منقسمون، وكل يغنّي على ليلاه، في هذه الأزمة، وهذا يعني في الخلاصة أن الحكومة سوف تفعل ما تريد، ولن تلتفت كثيرا للرأي العام، كونه في الأساس غير متفق على فكرة واحدة، ولعل دليل ذلك ما نراه من اختلافات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
لكن الرأي العام غير ظالم بالمطلق، بهذا المعنى، إذ أنه منقسم، كون مصالحه متضاربة، ومن الطبيعي ألا يتفق معا إلا في حالات محدودة، لكن هناك حالات يمكن للحكومة أن تقف في منطقة متوسطة بين وجهات نظرها الصحية، وآراء الجمهور، فمثلا هناك اعتراضات على حظر الجمعة، والكل يريد رفع الحظر، وخصوصا، التجار، ويمكن للحكومة هنا أن تلجأ إلى حلول وسطى، كأن تفك الحظر كل جمعة، حتى الثانية ظهرا، فيتسوق الناس صباحا، ويصلون، ويعودون إلى بيوتهم دون حظر في وجوههم، ليبدأ الحظر بعد الثانية ظهرا، أو السماح مثلا، بالحركة طوال الجمعة، دون استعمال السيارات، مشيا على الأقدام، أو اعتماد نظام التناوب بين أرقام السيارات الفردية والزوجية، أسبوع للفردي، وأسبوع للزوجي، والسماح في الوقت ذاته للمطاعم والصيدليات ومحال البقالات والمخابز بالعمل فقط.
هذا يعني أننا لسنا في مكاسرة، من يضغط أكثر، أو من يفرض رأيه على الآخر، فلا بد من منطقة وسطى يلتقي فيها الجميع، فلا يتأثر الاقتصاد، ولا نفرّط في الإجراءات الصحية، وهذا بحاجة إلى ذهنية متفتحة تعتمد أسلوب الحظر الذكي.
لكن دعونا نعترف أننا اليوم أحسن حالا بكثير، مما سبق، فقد تم تمديد ساعات العمل للمنشآت والناس، ولم يبق إلا حظر الجمعة، مثلما أن علينا أن نؤشر على الظاهرة الأخطر، أي ظاهرة توزيع المسؤوليات والاتهامات، ولو افترضنا أن الحكومة تخلت غدا عن حظر الجمعة، ترضية لخواطر من يطالبون، ثم ارتفعت الحالات فجأة، فسيتم اتهام الحكومة بكونها خضعت للرأي العام، وتسببت بأزمة كبرى، وهذا ما شهدناه في آخر أيام الحكومة السابقة، التي تم تناسي كل جهودها، وانقلب الرأي العام عليها، بسبب قرارات، أو أخطاء تم تحميلها أكثر مما تحتمل، وهذا يعني أن الحكومة الحالية، محشورة أيضا، في زاوية مخاوفها، من الانزلاق وراء الرأي العام، وارتفاع أعداد الإصابات مجددا.
مشهد معقد بكل ما تعنيه الكلمة، وكل يوم لدينا قصة، ليس آخرها إطلاق النيران غضبا، للسؤال عن سبب تأخر وصول مطعوم كورونا إلى الأردن، وحين ثبت قرب وصوله، انقلب ذات الرأي العام وباتت كثرة تحذر من طوق النجاة الوحيد المتاح حاليا، فنحن نقول الشيء، وعكسه في الوقت ذاته، وهذا ليس غريبا، فالرأي العام ، منقسم ومتناقض ومشوش.
الكل يلاعب الكل، الحكومة تلاعب الجمهور، وذات الجمهور يلاعب الحكومة، وبينهما غابت المنطقة الوسطى، التي يلتقي فيها الجميع، من أجل خفض الأضرار، والنجاة نهاية المطاف.

أخبار أخرى