صدى الشعب – كتبت د.دانييلا القرعان
ما الذي دعى جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم لزيارة المجلس القضائي في هذا الوقت تحديدًا؟ هذا السؤال، والاجابة عند جلالته أيضًا، وهو الذي لا تغيب عنه شاردة ولا واردة، وتصله الأخبار وتفاصيل البلاد والعباد من كل أجهزة الدولة، ومع كل ذلك يصر جلالته على الاطلاع بنفسه وعن قرب على حقائق ما يجري على أرض الواقع.
جلالة الملك وبصريح العبارة يوجّه الحكومة – كما كل الحكومات – لأن تقترب أكثر من المواطنين، وأن تلتصق أكثر بالميدان، وأن تستمع الى الشارع، وتعالج المشكلات، وتضع الحلول أولا بأول، بعيدًا عن كل التعقيدات الإدارية البيروقراطية، وهو لذلك وفي أكثر من مرّة وجّه لضرورة أن يكون المسؤول صاحب قرار، يستخدم صلاحياته التي وضعت في يده، وتم تعيينه من أجل اتخاذها لمصلحة المواطن وخدمته.
جلالة الملك وفي زيارته الاخيرة الى المجلس القضائي، أكد أن المجلس القضائي تقع على عاتقه مسؤوليات كبيرة، فالقضاء هو الأساس في تحقيق العدالة، وتعزيز ثقة المواطنين بالدولة ومستقبلهم.
وشدد جلالته ضرورة تعاون جميع المؤسسات المعنية لإنجاز وتنفيذ توصيات اللجنة الملكية لتطوير الجهاز القضائي، والنهوض بعمل جهاز التفتيش القضائي، وتدريب القضاة لتطوير الأداء، كما أكد جلالته ضرورة تطبيق مبدأ سرعة التقاضي دون أن تتأثر جودة الأحكام، وأهمية وجود المحاكم والغرف المتخصصة لبناء الخبرات واستقرار الأحكام، لافتًا جلالته إلى أن استحداث الغرفة الاقتصادية في الجهاز القضائي يسهم في تعزيز البيئة الاستثمارية الجاذبة.
عند الحديث عن استراتيجية المجلس لتطوير الأداء والإنجازات التي حققها الجهاز القضائي، نرى بالدرجة الأولى ضرورة التعميم على القضاة بضرورة الالتزام بالنصوص القانونية التي تحقق السرعة في حسم النزاعات، ونشير إلى أن المحاكم تمكنت خلال الأربعة أشهر الأخيرة من العام الماضي من تخفيض عدد الدعاوى المدورة بنسبة 23 بالمائة، من 145 ألف قضية إلى 113 ألف قضية.
وعند عرض الإنجازات المرتبطة بتوصيات اللجنة الملكية لتطوير الجهاز القضائي وتعزيز سيادة القانون، نلاحظ أنه تم إنجاز 43 مشروعًا وإجراء تنوعات بين تعديلات تشريعية وترتيبات إدارية ومؤسسية، تسهم بتطوير بيئة عصرية لعمل المجلس القضائي، كان أبرزها إنشاء الأمانة العامة لدى المجلس القضائي، وإعادة تشكيل المجلس القضائي لضمان تمثيل نوعي، وتوفير الحصانة اللازمة لأعضاء المجلس القضائي، وتفعيل عمل التفتيش القضائي.
ونلاحظ أن المجلس أنجز 11 مشروعًا يقع ضمن مسؤولياته؛ لتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة في مراحل البحث الأولي والتحقيق الابتدائي والمحاكمة الابتدائية، وتم تعديل سبعة قوانين تضمنت التعديلات التي أوصت بها اللجنة الملكية لتطوير الجهاز القضائي وتعزيز سيادة القانون. زيارة سيد البلاد إلى المجلس القضائي…هل سيعقبها عفو عام؟.
تكثر دائمًا المطالبات سواء النيابية أم الشعبية بإصدار عفو عام، ودائمًا ما نسمع عن آليات الضغط التي تمارسها لجنة الحريات في مجلس النواب على الحكومة لتدفعها إلى تبني مقترح عفو عام جديد، وذلك لعدة أسباب منها وجود اكتظاظ غير مسبوق في السجون، وتجاوزها لطاقتها الاستيعابية.
لكن الرد دائمًا من الحكومة يتجلى حول التوجيهات المستمرة إلى الحكام الإداريين بعدم التوسع في ممارستهم لصلاحياتهم القانونية في التوقيف الإداري، وترشيدها إلى حدودها الدنيا. والحكومة الأردنية تعي الكُلف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ستترتب على إصدار قانون عفو عام جديد، فالعديد من الجرائم يتوقف الإعفاء منها على إسقاط الحق الشخصي، أو دفع أصل المبلغ المطالب به أو المبلغ المحكوم به، ومثالها قضايا الشيكات والاحتيال وإساءة الائتمان.
الحكومة الأردنية تعي أيضًا أن العفو العام هو خروج استثنائي عن قواعد المشروعية الجزائية، التي تقوم على أساس إيقاع الجزاء المناسب بحق كل من يرتكب جريمة معاقب عليها بنص القانون، فيتحقق الردع العام والخاص لكي يأمن الفرد على حياته وسلامة أفراد عائلته وممتلكاته.
فهذا السلم المجتمعي الذي فرض المشرع الدستوري على الحكومة حمايته، لا يتوافق مع فكرة التوسع في إصدار العفو العام، وأن يتم إطلاق سراح السجناء والمجرمين وإعادة الزج بهم في المجتمع المحلي بشكل جماعي وفي فترات زمنية متقاربة، خاصة في ظل غياب الدراسات الاجتماعية المسحية حول أثر العفو العام على الإصلاح المجتمعي، ونسبة تكرار العودة إلى ارتكاب الجرائم من الأشخاص المستفيدين من العفو العام.
لكن من الجهة الأخرى نرى أن الظروف الإقتصادية وما ألقته جائحة كورونا على الأسر الأردنية، وعانت العائلات وما زالت تعاني تبعات التدهور الاقتصادي، هذا الأمر هو ما يدفع رئيس الوزراء على تكرار تمديد العمل بأمر الدفاع رقم (28)، الخاص بوقف سريان النصوص القانونية المتعلقة بحبس المدين، وتجميد عقوبة إصدار شيكات دون رصيد إلى حد مالي معين.
وعند الحديث عن ظاهرة أخرى تتجلى باكتظاظ السجون الأردنية، وهي ظاهرة اعتبرها مقلقة، يجب علينا الوقوف جيدًا على أسبابها وطرق علاجها، والتفكير العميق في التعاطي معها، بحيث يتم تقديم الحلول المناسبة التي يجب ألا تكون على حساب المبادئ الثابتة في القانون، والتي تقوم على أساس إيقاع الجزاء المناسب على كل من يخالف النصوص القانونية، وبأن تنفيذ العقوبات الجزائية هو الأصل، ما يتم الإعفاء منها كطريق استثنائي يجب عدم التوسع في تفسيره وتطبيقه.
العفو العام مرتبط بارتكاب جرائم جزائية يزيل الصفة الجرمية عنها، ويطلق سراح مرتكبيها، وليس له أي علاقة بالديون المدنية، وقرارات الحبس التي صدرت عن دوائر التنفيذ بحق المطلوبين على قضايا مالية.
بالتالي، يخطئ من يعتقد بأن العفو العام سيكون بديلًا عن تمديد العمل بأمر الدفاع رقم (28)، أو بأنه طريقة قانونية سليمة لوقف العمل به وعدم تجديد سريانه.
فالعفو العام إن كُتب له أن يرى النور، سيكون ورقة ضغط على رئيس الوزراء بإعادة تفعيل حبس المدين، ذلك على اعتبار أن السجون سيتم إفراغها من المجرمين المحكوم عليهم في قضايا جزائية، بالتالي لا مفر من الاستبدال بهم المدينين المتعثرين بقضايا مالية.
وارى أن زيارة جلالة الملك الى المجلس القضائي مؤخرًا قد يكون لها علاقة بمشروع إصدار عفو عام مرتقب، وقد أكون مخطئة، لكن بالفعل كثرت المطالبات الشعبية والنيابية حيال اصدار عفو عام خصوصًا في ظل الأوضاع والظروف الإقتصادية التي يعيشها الأردن.
ونرى بإن جلالة الملك قد أطلع بشكل مباشر عن حيثيات هذا الأمر، وبذات الوقت بطريقة غير مباشرة من خلال الاطلاع على النهج القانوني والقضائي المتبع لدى المجلس القضائي، واطلاعه على تقارير قضائية عن سير عمل المحاكم، ومدى التزام القضاة بتطبيق النصوص القانونية..
هل برأيكم زيارة جلالة سيدنا للمجلس القضائي لها علاقة بإصدار عفو عام قريبًا؟ أم أن زيارته هي زيارة كسائر الزيارات التفقدية التي يجريها جلالته للاطمئنان على حسن سير العمل وتنفيذ توصياته؟






