صدى الشعب – كتب محمد علي الزعبي
في خضم التحديات الإقليمية المتسارعة وضغوط الداخل المتراكمة، يبرز تساؤل في الشارع الأردني: هل فقدت حكومة الدكتور جعفر حسان البوصلة؟
والإجابة المنصفة، بعيداً عن ضجيج الصالونات السياسية والانطباعات الانفعالية، تؤكد أن الحكومة لم تفقد البوصلة، بل تسير بثبات ضمن خارطة طريق واضحة ترتكز على رؤى التحديث الثلاث التي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني: التحديث السياسي، والتحديث الإداري، والتحديث الاقتصادي.
فعلى الصعيد السياسي، تمضي الحكومة في تنفيذ مخرجات المنظومة السياسية برؤية واقعية تعزز المواطنة الفاعلة وتحمي الحياة الحزبية النامية، مستندة إلى قانون انتخاب وأحزاب يعزز دور الشباب والمرأة، ويوسّع قاعدة المشاركة السياسية القائمة على البرامج لا الشعارات.
وفي الشأن الإداري، تظهر الحكومة توجهًا جادًا نحو إعادة هيكلة القطاع العام وتطوير الخدمة المدنية على أساس الكفاءة لا المحسوبية. لقد أُطلقت برامج تدريب وتأهيل شاملة للكوادر الحكومية، في محاولة لتفكيك البيروقراطية وتحفيز الأداء، بما يُعيد للمؤسسة الرسمية هيبتها وثقة المواطن بها.
أما على الصعيد الاقتصادي، فتسعى الحكومة لإحداث توازن دقيق بين إجراءات الضبط المالي ومتطلبات التنمية، رغم صعوبة الظرف الاقتصادي وتعقيداته. ورغم التحديات المالية والضغوطات الاجتماعية، فإن الحكومة تواصل توجيه الموارد نحو القطاعات الإنتاجية وتحفيز الاستثمار، وتُظهر التزامًا بمسار الإصلاح الهيكلي وفق أولويات وطنية تحفظ الاستقرار وتدعم النمو.
ومع تنامي الانتقادات من بعض الأصوات، فإن قراءة موضوعية ومنصفة لأداء الحكومة تقتضي الابتعاد عن لغة التشويش والانفعال، والانخراط في نقد بنّاء يستند إلى فهم الواقع وطرح البدائل. فليس من العدل أن يُقاس أداء حكومة تتعامل مع تركة ثقيلة ومعادلات إقليمية معقدة، بمقاييس شعبوية أو ردّات فعل لحظية.
الدكتور جعفر حسان، المعروف بعقليته الاقتصادية وإدارته الهادئة للملفات الكبرى، ليس طارئًا على الدولة، بل يشكّل امتدادًا لنهج إداري أردني عميق يُجيد الموازنة بين القرار الفني والسياسي. وإن وجوده في هذا الظرف الدقيق يشكّل فرصة لاختبار التحديث الحقيقي بعيدًا عن الشعارات.
الحكومة لم تفقد البوصلة، لكنها تسير في بحرٍ عاصف بسفينة تعرف وجهتها، ما تحتاجه اليوم هو دعم وطني واعٍ، وإعلام مسؤول، وشراكة من المجتمع في إنجاح مسيرة التحديث التي لا تملك الدولة ترف التراجع عنها. فنجاح الحكومة هو نجاح لمشروع وطني بأكمله، وإن تعثرها لا سمح الله لن يكون تعثر أفراد، بل تعثر مرحلة بأكملها.
فلنكن في صفّ الوطن، لا على رصيف الانتظار، ولندعم كل جهد إصلاحي مخلص ينطلق من رحم الدولة ويصبّ في مصلحة المواطن.





