صدى الشعب – تشهد السلطة الانتقالية في شرق السودان، والمتمركزة في مدينة بورتسودان، حالة من التوتر السياسي المتصاعد، وسط تحركات لإعادة تشكيل الحكومة وتعيين الدكتور كامل إدريس.
وتأتي هذه التطورات في لحظة حرجة من عمر الصراع السوداني، ما يثير تساؤلات واسعة حول مدى تماسك التحالفات القائمة، وجدوى إعادة توزيع السلطة في ظل الانقسامات الحادة التي بدأت تطفو على السطح.
وبينما تروج بعض القوى لخطوة إعادة الهيكلة باعتبارها ضرورة لتجاوز حالة الجمود، يرى مراقبون أن هذه التحركات تحمل في طياتها مخاطر كبيرة قد تفتح الباب أمام إعادة فرز التحالفات، وربما تفجير الخلافات المكتومة داخل معسكر السلطة في بورتسودان، لا سيما في ظل تصاعد دور جماعة الأخوان المسلمين داخل مراكز اتخاذ القرار.
ضغوط لإعادة توزيع النفوذ داخل الحكومة الانتقالية
تشير تقارير متطابقة إلى ضغوط تمارسها جهات نافذة داخل السلطة لإعادة النظر في نسب تمثيل الحركات المسلحة داخل هياكل الدولة، والتي حُددت بموجب اتفاقية جوبا للسلام بنسبة 25%، هذه المراجعات – بحسب المحللين – تستهدف إزاحة الحركات المسلحة من الوزارات ذات الطابع السيادي والاقتصادي، كالمالية والمعادن، بذريعة ما تعرضت له هذه الحركات من نكسات عسكرية في ولايات دارفور وكردفان.
مأزق التوازنات في اتفاقية جوبا
تُعد اتفاقية جوبا للسلام، الموقعة في أكتوبر 2020، حجر الزاوية في تقاسم السلطة بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة؛ وقد أقرت الاتفاقية تمثيل هذه الحركات بنسبة 25% في الحكومة والمجلس التشريعي الانتقالي، غير أن هذه التفاهمات لم تُطبق بشكل كامل حتى قبل اندلاع الحرب، وظلت معطّلة في الممارسة.
وبالإضافة إلى ذلك، نصت الاتفاقية على ترتيبات خاصة بمناطق النزاع مثل دارفور، النيل الأزرق وكردفان، تضمنت منح سلطات إضافية ومشاركة في المؤسسات القومية وفق معايير الكفاءة؛ لكن الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 جمدت هذه البنود، وأعادت ترتيب الأولويات السياسية والعسكرية بما يجعل من استبعاد هذه الحركات أو تهميشها، خطراً محتملاً على الاستقرار السياسي في الشرق.
الترشيحات المثيرة للجدل وتآكل التحالفات
وسط هذه الظروف، أُثير اسم الدكتور كامل إدريس كرئيس للحكومة جديدة في بورتسودان، إلا أن هذا التعيين لم يمر دون إثارة الجدل داخل معسكر الجنرال عبد الفتاح البرهان، لا سيما بين أطراف محسوبة على الحركات المسلحة التي شعرت بأن مشاورات التشكيل لم تأخذ في الاعتبار وزنها السياسي ودورها في المعادلة العسكرية.
وبحسب الكاتب الصحفي السوداني محمد الهادي، فإن تحالف بورتسودان يعاني من هشاشة بنيوية ناجمة عن غياب رؤية سياسية موحدة، وتضارب المصالح بين أطرافه، ما جعله عرضة للتفكك مع إطالة أمد الحرب وتعقد المشهد السياسي. ويضيف الهادي، أن الخلافات خرجت إلى العلن مؤخراً، مع تصاعد الانتقادات المتبادلة وظهور ملاسنات بين قيادات عسكرية، وصولًا إلى إعلان قيادات في حركة العدل والمساواة رفضها لترشيح إدريس، واعتباره تجاهلًا لدورها ومحاولة لتقليص نفوذها.
تحديات أمام تشكيل حكومة مؤقتة
دراسة حديثة أعدها معهد أبحاث السلام بجامعة الخرطوم بالتعاون مع المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات، خلصت إلى أن تشكيل حكومة انتقالية مستقلة في ظل الحرب سيكون أمرًا بالغ التعقيد، وقد يؤدي إلى توسيع فجوة الخلافات السياسية بدلًا من ردمها، وترى الدراسة أن أي حكومة مؤقتة تُشكّل دون توافق عريض ومراعاة دقيقة للواقع الميداني والسياسي، قد تتحول إلى عامل تفجير إضافي في النزاع.
سيناريوهات مفتوحة وتحالفات قابلة للانفجار
يبدو، أن المشهد في شرق السودان مرشح لمزيد من التعقيد، خاصة إذا استمرت محاولات إعادة صياغة السلطة بعيدًا عن التفاهمات التي أرستها اتفاقية جوبا، وفي حال أُقصيت الحركات المسلحة من مواقع التأثير، أو جرى تقليص حضورها دون مسار تفاوضي حقيقي، فإن تحالف بورتسودان الذي يترنح تحت وطأة خلافاته، قد يواجه لحظة انفجار سياسي يصعب احتواؤها، ما يعيد طرح الأسئلة الجوهرية حول مدى واقعية أي حل سياسي دون توافق جامع وتمثيل عادل لكافة الأطراف.