صدى الشعب – كتب د.هاشم العمري
في صباحٍ هادئ يعكس جمال الأرض الأردنية، كانت أشجار الزيتون التي تزين الأراضي الأردنية تتمايل برفق، كما لو كانت تروي قصة من عمق التاريخ. مزارعونا، الذين تربطهم علاقة وثيقة مع هذه الأشجار العتيقة، عاشوا تحديات كبيرة في سبيل الحفاظ على هذا القطاع الحيوي، الذي يعكس جزءًا من هوية وطنهم. ورغم السنوات العصيبة التي مرت على هذا القطاع، كان الأمل يتجدد بفضل قرارات جريئة ومبادرات استراتيجية كانت بمثابة نقطة تحول حقيقية.
ومن بين هذه القرارات جاء قرار معالي وزير الزراعة المهندس خالد الحنيفات، الذي حدد أولوياته تجاه حماية القطاع الزراعي بشكل عام وقطاع الزيتون بشكل خاص. ففي خطوة غير مسبوقة، أعلن عن منع استيراد زيت الزيتون، وذلك بهدف حماية المنتج المحلي ودعمه، بما يضمن استمرارية المزارعين الذين يعملون بجد ليل نهار في هذا القطاع الذي يمثل أكثر من 72% من المساحات المزروعة بالأشجار المثمرة في المملكة. قرار الحنيفات جاء بعد سنوات من تراجع المنتج المحلي أمام زيوت مستوردة أرخص، لكنها تفتقر إلى الجودة التي تتمتع بها الزيوت الأردنية.
لم يكن القرار الذي اتخذته وزارة الزراعة بمثابة حماية فقط للمنتج الوطني، بل كان بداية مرحلة جديدة للقطاع، حيث طُرحت رؤية شاملة لإعادة إحياء هذا القطاع وتطويره. فقد عمل المهندس الحنيفات على تطوير 147 معصرة في مختلف أنحاء المملكة، وزُوِّدت هذه المعاصر بـ 331 خط إنتاج بطاقة تشغيلية تصل إلى 624 طنًا في الساعة، مما يعكس التزام الوزارة بتطوير القطاع. ما كان يبدو في السابق كحلول مستعجلة تحول إلى خطة طويلة المدى، تهدف إلى تعزيز جودة المنتج وتوسيع آفاقه.
ورغم الانتقادات التي طالت بعض القرارات، فقد كانت الخطوات المتخذة هي تلك التي كانت بحاجة إليها الأرض والمزارع على حد سواء. حيث كانت القرارات الصعبة تستند إلى رؤية بعيدة المدى تضمن استدامة القطاع وجعله أكثر قدرة على المنافسة. ولم يقتصر دور المهندس الحنيفات على تطوير المعاصر فقط، بل حمل ملف الزيتون الأردني إلى العالم، حيث ترأس اجتماعات المجلس الدولي للزيتون في إسبانيا، وفتح أبواب التعاون والشراكات مع الدول المنتجة الكبرى في هذا المجال.
وقد تم تعزيز جودة الزيت الأردني من خلال زيادة فرق التقييم الحسي، حيث أُضيفت العديد من الفرق التي تختبر الزيت لضمان خلوه من العيوب الحسية، فضلاً عن توسيع نطاق المختبرات الكيميائية لتشمل فحوصات متقدمة تهدف إلى ضمان التوافق مع أعلى المعايير العالمية. هذه المبادرات أسهمت في تعزيز قدرة الزيت الأردني على المنافسة في الأسواق العالمية، ليحجز له مكانًا بين أفضل الزيوت التي تحظى بسمعة دولية.
القطاع اليوم في تطور مستمر، بفضل جهود وزارة الزراعة التي لم تقتصر على الحماية فقط، بل تسعى إلى تأهيل المزارعين وتزويدهم بالأدوات والمهارات اللازمة للنهوض بالقطاع. كما تم دعمهم بتوزيع أكثر من مليون شجرة زيتون بأسعار مدعومة، وفتح برامج تدريبية لـ 150 مهندسًا زراعيًا في مختلف مجالات الزراعة، مما يسهم في تحسين تقنيات الري وإدارة المزارع.
اليوم، أصبح زيت الزيتون الأردني أكثر حضورًا في الأسواق المحلية والعالمية، بعد أن كانت همسات الأشجار تردد صدى التحديات، والآن هي تردد آمالًا وتطلعات نحو غدٍ أفضل. وبدعم الحكومة، بات قطاع الزيتون الأردني يشهد نهضة حقيقية تُسهم في تأمين دخل مئات الآلاف من الأسر الأردنية، وتزيد من مكانة الأردن على خارطة الإنتاج العالمي للزيتون وزيته.
إن زيت الزيتون الأردني اليوم ليس مجرد منتج زراعي، بل هو رمزٌ للصمود، والتجدد، والمستقبل الذي يبني على الأسس الصحيحة.