على ضفاف نهر أبي رقراق، يستعد المغرب لافتتاح مسرح الرباط الكبير، والذي يعدّ أضخم مسرح في العالم العربي وأفريقيا بمساحة تبلغ 47 ألف متر مربع، ليخرج أيقونة جديدة يتزين بها المغرب.
وسيشكل هذا الصرح المعماري فضاء ثقافيا متعدد الوظائف، قادرا على استيعاب مختلف العروض المسرحية وعروض الأوبرا، كما سيضم المسرح قاعة كبيرة من ألفي مقعد تتمتّع بخدمات سمعية بصرية تتطابق مع آخر ما وصلت إليه المعايير الدولية في الدقة والجودة.
ويشكل المسرح الكبير للرباط أحد معالم سياسة جديدة، تتجلى في إطلاق جيل من المسارح الكبرى التي انبثقت نواتها الأولى في مسرح محمد السادس، الذي أشرف العاهل المغربي على تدشينه في يوليو 2014 بوجدة (أقصى شرق المغرب).
وتضاف إلى هذه المَعلمة العملاقة، سلسلة مسارح أخرى من قبيل المسرح الكبير للدار البيضاء والمركب الثقافي لفاس، والمركب الفني لطنجة، وكلها مشاريع تندرج في إطار خطة شاملة للنهوض بالقطاع المسرحي وتكريس دور الثقافة والشباب في تحقيق التنمية بالمغرب والنهوض بالثقافة.
وفي هذا السياق، أكد رشيد أمحجور، مدير قصر الثقافة والفنون بطنجة، ، أن هناك دينامية ترمي إلى النهوض بالحركة الثقافية والفنية عموما بالمغرب، والحركة المسرحية بوجه خاص مع افتتاح مسرح الرباط – سلا على ضفة نهر أبي رقراق، وهو من أكبر مسارح العالم العربي وأفريقيا، ومن توقيع المهندسة العراقية الراحلة زها حديد، صاحبة هندسات معالم متعددة، مختلفة ومتنوعة عالميا. مضيفا أن المغرب سيعرف افتتاح قصر الثقافة والفنون بطنجة الذي سيديره الفنان والمثقف رشيد أمحجور، بالإضافة إلى مسرح كبير أيضا بالدار البيضاء والعديد من البنيات الثقافية والفنية في مختلف جهات المملكة المغربية من متاحف ومكتبات ومركبات ثقافية.
ومن جانبها، أشادت بشرى أهريش، الفنانة المشهورة ومديرة مسرح المنصور بالرباط، بهذه الحركية التي أضحى يعرفها قطاع المسرح في المغرب. وأكدت في حديث لسكاي نيوز عربية، أن هذه البنايات الفخمة تعتبر فخرا ومصدر اعتزاز.
وأضافت “بقدر ما نهتم بالبنايات، يجب أيضا أن نولي اهتماما خاصا بالموارد البشرية. أتمنى أن يتم الاعتماد على طاقم ذي خبرة وكفاءة عاليتين لتسيير هذه المنشآت.”
وعبرت الفنانة أهريش، عن اعتزازها بأداء المسرح المغربي المشرف في الملتقيات العالمية. فهو يحصد جوائز كبرى في مختلف التخصصات؛ سواء السينوغرافيا أو الإخراج أو الرؤية. مؤكدة أن المسرح المغربي أصبح مثالا يحتدى به، والدليل هو أنه كل مرة يسافر إلى مسابقات عالمية، إلا ويحل في الصفوف الأمامية”.
بالمقابل أكدت الفنانة أهريش، أن المسرح المغربي، لا يعاني من أزمة أفكار، بل من أزمة إمكانيات.
وعلى غرار القطاعات الأخرى، فإن المسرح تأثر من وطأة الإنترنت والعولمة، مضيفة أن المعادلة تغيرت، بحيث لم يعد المسرح مجرد ديكور وجسد وإضاءة، بل أصبح صناعة تعتمد على تكنولوجيا وتقنيات تمكن المتفرج من السفر عبر الحقب التاريخية”.
وشددت الفنانة المغربية، على ضرورة “رد الاعتبار للمسرح، كأداة ليس فقط تثقيفية، بل أيضا تربوية ووضعه في مكانه الطبيعي، ألا وهو تربية الحس الفني للأجيال، وتغيير العقليات وتهذيب سلوكات مجتمع بأكمله”.
ومن جانبه، شدد رشيد أمحجور، مدير قصر الثقافة والفنون بطنجة، على “وجوب إعطاء الأولوية للتكوين المسرحي على صعيد الجهات والأقاليم، حتى لا يبقى المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي هو المؤسسة الوحيدة التي تقوم بهذه المهمة مركزيا، وحتى تتعدد تجاربُه، وتوجهاتُه في علاقاتها بثقافة الجهات المغربية الغنية بالفنون التراثية”.
وأضاف المسرحي المغربي أن “كل هذا سيؤسس بدون شك لمستقبل مسرحي رائع في المغرب مع ما تعرفه الساحة الجديدة من انفتاح على الوسائط، والفنون الرقمية”.
وفي تدوينة لها، عبرت الفنانة المغربية سناء عكرود عن استيائها من قرار استمرار إغلاق المسارح ودور السينما في العالم بسبب جائحة كورونا، مشبهة وضعها بـ”مسرح الجريمة الذي يغلق بالشمع الأحمر”.
وقالت عكرود في تدوينة عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي “إنستغرام”: “مسارح مغلقة، صالات سينمائية مهجورة تماما كمسرح جريمة أغلق بالشمع الأحمر، مهرجانات، وحفلات رقمية شاحبة يتابعها المشاهد من سريره، أو مطبخه، كحيلة أخيرة لإنقاذ صناعة “الترفيه”، والتحايل على الوضع الحزين”.
ودعت عكرود إلى إعادة الاعتبار للمهن الفنية قائلة: “فلنتوقف مبدئيا عن اعتبار المهن الفنية مهنا ترفيهية، وحينها ربما سنبدأ بالتحدث عن فن كريم”.
واعتبرت الفنانة المغربية، أن الحديث عن مهنة كريمة، وعن المتعة والخيال، والذكاء “سيكون عندما يتم استيعاب أهمية الفنانين بمختلف تخصصاتهم من عازف كمان، مغني، عامل النظافة في المسرح، واحترام قاطع التذاكر، الراقص، الممثل، الرسام، عامل المكياج، الإنارة، مصمم الديكور، الطبال، وكاتب الكلمات وغيرها”.
ويرتبط النهوض بقطاع المسرح، في نظر رشيد أمحجور، بمسألتين أساسيين؛ الأولى مرتبطة بتثقيف المجتمع والممارسين في نفس الآن وهي مسؤولية مختلف مكونات المجتمع المدني. والثانية تتعلق بدعم الدولة بما لها من قوانين لحث القطاع الخاص والقطاع العام وليس وزارة الثقافة وحدها، للنهوض بالثقافة والفنون بما فيها المسرح كقطاع حيوي للنهوض بتنمية المغرب الشاملة.”
أما بالنسبة للفنانة أهريش، فالنهوض بالمسرح المغربي، يعتمد على وضع سياسة واضحة للقطاع، بأهداف مدروسة. فالمشكلة ليس مشكلة بنايات، بل مشكلة موارد، كما قلتُ سلفا. ولهذا فيجب بدل مجهود لإعادة تقييم ظور الثقافة والشباب المتواجدة بكافة أنحاء المغرب، والتي أصبحت لسوء الحظ مهملة وتواجه الاندثار.
كما شددت على ضرورة رد الاعتبار للفنان المسرحي وتشجيعه على الإبداع. لأن مسألة ابتكار أفكار جديدة تتطلب تقديم الدعم والعناية لهذه الفئة.
وتتفق أهريش مع رشيد أمحجور على ضرورة إحداث معاهد جديدة ومدارس للتكوين، إلى جانب معهد الرباط.
وأكدت أن المغرب يجب أن ينشأ معاهد عليا في كل الجهات، وذلك في إطار سياسة “الجهوية الموسعة” التي أطلقها مؤخرا للنهوض بكامل المناطق المغربية ومنحها صلاحيات أوسع لضخ دماء جديدة في خطة التنمية.