الإصلاح الإداري، الذي أكد عليه جلالة الملك عبدالله الثاني وبقوة، خلال مقابلة جلالته الاسبوع الماضي مع وكالة الأنباء الأردنية، بترا، وهي الأولى في عام مئوية الدولة، هو المدخل الحقيقي لصلاح الوطن، وتجذير الفكر الإصلاحي التقدمي ممارسة يومية، لينعكس بعدها على مختلف مناحي الحياة، سياسية كانت أم اقتصادية أم اجتماعية.
ولينجح، فلا بد أن يتحول إلى ثقافة يمارسها الأفراد منذ الصغر في بيوتهم لتنمو معهم فكرا عمليا، بحيث يتموضع الإدراك الإنساني حول رفض كل ما يتعارض مع الإصلاح، بداية من إدارة شؤون الأسرة والعلاقة بين أفرادها، إلى المرحلة التي يستقل فيها الفرد ليبني أسرة جديدة أو يمضي بأي شكل من أشكال الحياة. ولتحقيق هذا، فلا بد من تضمين المناهج الدراسية والجامعية، وتدريجيا، مساقات تركز على الإصلاح بمختلف أنواعه، وليكن الإداري في مقدمتها، ما سيولد جيلا يدافع عن الإصلاح عقيدة له في الحياة.
ولا بد كذلك من تعزيز أنظمة المؤسسات العامة والخاصة الإدارية، بحيث تشمل تطوير مدونات السلوك، وهو ما جاء في مقابلة جلالته، إضافة إلى ضرورة اعتماد دليل عمل إرشادي ملزم بالإجراءات التي على الموظف، رئيسا كان أم مرؤوسا، التقيد بها. وهذا ما قام به العديد من الدول في العالم، ذلك أن بعض التجاوزات والمخالفات الإدارية تأتي بسبب الجهل بما على الموظف القيام به في كثير من التفاصيل الإدارية اليومية في عمله.
والإصلاح الإداري بحاجة إلى تطوير القوانين والأنظمة الخاصة به. وهنا لا بد من الاشارة إلى حتمية تغليظ العقوبات التأديبية في قانون العمل ونظام الخدمة المدنية، ليكن الخوف من ارتكاب المخالفات الإدارية رادعا لها في الأساس، وذلك من باب درء الخطر قبل وقوعه، ما سيولد تدريجيا مناعة مجتمعية ضد الفساد الإداري.
ولأن درهم وقاية خير من قنطار علاج، فلا بد من تعزيز استقلالية الأجهزة الرقابية الداخلية لمختلف المؤسسات، ما يضمن موضوعية وحيادية ومهنية عملها. وقد يكون من الأجدى ربط مختلف الأجهزة الرقابية في الدولة بمرجعية واحدة، لضمان ترجمة استقلاليتها إلى واقع ملموس يعود بالخير على الوطن والمواطن.
أما ما سيشكل حجر الزواية في تحقيق الإصلاح الإداري فهو الاعتماد أكثر على الآلة من الإنسان في التطبيق، أي، كما ورد أيضا في مقابلة جلالته، أتمتة الأنظمة الخاصة بكل ما يتعلق بالنهج الإداري اليومي للمؤسسات، سواء على صعيد القطاع العام أو الخاص. وهذا سيضمن عدم تدخل الأهواء والمصالح الشخصية للبشر تحت حجج واهية عديدة.
وقد يكون تشكيل لجنة عليا تضم خبراء ثقات في الإدارة، لتقديم استراتيجية شاملة مع أدوات تنفيذ زمنية قابلة للقياس وملزمة لمؤسسات القطاع العام والخاص، الأساس الذي يتم البناء عليه لكل ما تقدم.
“ليس بعد”، هي العبارة التي حملت رد جلالة الملك، خلال مقابلة وكالة بترا، حول ما إن كان قد تحقق المطلوب في ملف الإصلاح الإداري، وهي العبارة التي على الحكومة التقاطها لتبدأ من نفسها وتقدم نموذجا ناجحا للإصلاح الإداري تتبعه مؤسسات الدولة وقطاعها الخاص، ذلك أن الخطر الحقيقي في وجه الإصلاح الإداري يكمن في بقاء الأمور على ما هي عليه، وهو ما سيدفع ثمنه المواطن بلا شك، حاضرا كان أم مستقبلا.
ولنا في قول الرئيس الأميركي الراحل جون كنيدي: “الوقت المناسب لإصلاح السقف هو عند سطوع الشمس” عبرة. فقد سطعت الشمس بالتوجيهات الملكية الحاسمة، وما على الحكومة ومؤسسات القطاعين العام والخاص إلا أن تقوم بإصلاح السقف. فهل من مسارع؟