نبيل_الكوفحي
…
الاحداث العظام لا تنضب منها الدروس وتستلهم منها العبر، ولعل ملحمة غزة الحالية والتي تمثل صمودا وجهادا امام أعتى حملة ابادة جماعية يشاهدها العالم يوميا مليئة بالدروس التي لم تنقطع. وقد اشرنا الى دروس كثيرة في سلسلة مقالات سابقة، وقد أفاض الكثيرون بدروس وعبر بدلالات عميقة وبليغة فشكرا لهم جميعا.
وحدة الامم او الشعوب التي صنعت تاريخا مجيدا قامت على أسس كثيرة؛ منها وحدة الهدف والمصير، وتقاسم الهم والمعاناة، بل وتقاسم شربة الماء ولقمة الخبز بالمقصود المباشر قبل الدلالة العامة. لا تجد فيها عبدا وسيدا، ومترفا ومحروما، ولا تفرق بين قائدهم ومواطنهم لا بلباس ولا بيديباج ونحوه.
تقدم رسولنا محمد – صلى الله عليه وسلم- الجيش في كثير من المعارك ومنها بدر واحد حتى كسرت رباعيته، ونقرأ في سيرته – صلى الله عليه وسلم- انه جاع كغيره من الصحابه في الحصار الذي دام ثلاث سنين في شعب ابي طالب. ويروى انه حينما جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليستكمل فتح بيت المقدس قد تعاقب هو وخادمه على دابة واحدة مرة بعد مرة.
في غزة يعيد التاريخ كتابة نفسه؛ فالقادة يستشهدون كما غيرهم، وابناؤهم في مقدمة الشهداء. والتضحية ليست فعل العوام والجنود فحسب، بل يتقدمها استاذ الجامعة والطبيب وشيخ العشيره كما غيرهم من الناس. ومساكن القادة هي في ازقة المخيمات كما فقراء الناس سواء بسواء.
لعل هذه الشراكة في التضحية والتساوي بين الناس في معيشتهم وتضحياتهم بعد الايمان العميق تمثل قيمة عظيمة ساعدت على الصبر والصمود، وفاقمت الايثار والتسابق في التضحيات؛ فحينما يستشهد رئيس المجلس التشريعي و وزير اوقاف سابق، كما رئيس الجامعة وغيرهم وكلهم خيار من خيار، انما يجسدون وحدة الهدف والمصير كما وحدة الدم. ولن تكون شهادة العاروري خارج غزة المثال الاخير على اهل غزة، فقد استشهد قبله الشيخ ياسين وتلاه الدكتور الرنتيسى كما عياش والحعبري رحمهم الله جميعا.
لن تقوم لاوطاننا قائمة اذا بقي التعب والنصب والتضحية من نصيب غالبية الناس، ويتمتع بالرفاهية والبطر والترف نفر قليل يتحكمون بمصير الكثير دون شراكة حقيقية في الهدف والمصير. ان الفجوة الاجتماعية تزداد وتتسع بحيث يصعب الخرق على الراتق، وحينما يقع الفأس بالرأس فقد فات الفوت ولن تعود عقارب الساعة للوراء. فلعنا نعيد الى اوطاننا بعض قيم العدالة والشراكة ومحاربة كل أشكال الفساد والهدر.
والى سلسلة اخرى ان شاء الله.