صدى الشعب – بهاء سلامة
يبدو أن رئيس الحكومة، د. جعفر حسان، لم يدر بخاطره أن يُغير (مُسماه الوظيفي) إن صح التعبير، و هنا الحديث عن ما يضعه عبر صفحاته الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي، فهل يخول الدستور لحسان أن يضع (رئيس الوزراء، أم الرئيس المُكلف، حتى قبل أن يحصل على الثقة من قبل مجلس النواب، و التي تتم حالياً في اليوم الثاني لجلسات الثقة من قبل مجلس النواب؟
الخبير الدستوري و القانوني، الأستاذ الدكتور ليث كمال نصراوين، أجاب على هذا السؤال في مقالٍ له، وصل لـ(صدى الشعب) نسخة، منه، و أشار نصراوين، في مقالته التي اختار لها عنوان: “دستورية الحكومة قبل الثقة على بيانها الوزاري”.
وقال نصراوين : “قدمت حكومة الدكتور جعفر حسان بيانها الوزاري إلى مجلس النواب العشرين الذي بدأ أعضاؤه بمناقشة ما جاء فيه من خطط وبرامج، قبل أن يقوم بالتصويت على هذا البيان بالثقة من عدمه وفق أحكام الدستور.
ويبقى التساؤل الأبرز حول الآثار الدستورية المترتبة على قرار مجلس النواب بالثقة على البيان الوزاري للحكومة الجديدة أو التصويت على رفضه.
فإذا قرر مجلس النواب رفض البيان الوزاري، فإنه يتعين على الحكومة القائمة أن تتقدم باستقالتها الخطية إلى جلالة الملك، لكونها قد فقدت شرطاً من شروط بقائها في النظام النيابي المعمول به في الأردن وهو ثقة أعضاء المجلس المنتخب، فلا يحق لها أن تجري تعديلاً على مضمون البيان الوزاري وتُعيد تقديمه لمجلس النواب لغايات إعادة التصويت عليه، لعدم وجود نصوص دستورية تجيز ذلك.
أما إذا قرر مجلس النواب الثقة بالبيان الوزاري للحكومة الجديدة، وهو الأمر المتوقع، فإن السؤال الدستوري الذي يثور يتعلق بأثر القرار بمنحها الثقة على استكمال شرعيتها الدستورية، وما إذا كانت الحكومة في الأردن تعتبر دستورية بالكامل من تاريخ أداء القسم أمام جلالة الملك عملا بأحكام المادة (43) من الدستور، أم أنها تكتسب شرعيتها الدستورية الكاملة من تاريخ حصولها على ثقة أعضاء مجلس النواب على بيانها الوزاري.
وحول سؤال (صدى الشعب) حول رأس الدستور، قال نصراوين: “هناك رأي فقهي يقول أن الحكومة في الأردن تتمتع بدستورية كاملة من تاريخ صدور الإرادة الملكية السامية بتشكيلها وأدائها القسم أمام جلالة الملك، وليس من تاريخ حصولها على ثقة مجلس النواب، ذلك على اعتبار أن الثقة على البيان الوزاري أمر حتمي لا مجال للنقاش حوله، خاصة في ظل عدم وجود أي سوابق دستورية على فشل الحكومات الأردنية المتعاقبة في الحصول على الثقة على البيان الوزاري.
كما يعتبر أنصار هذا الاتجاه أن حصول الحكومة الجديدة على ثقة مجلس النواب هو لتأكيد دستوريتها، إذ يترتب على الوزارة التي تفشل في الحصول على ثقة مجلس النواب على بيانها الوزاري أن تتقدم باستقالتها الخطية إلى جلالة الملك، وذلك كأي حكومة أخرى حصلت على ثقة مجلس النواب.
في المقابل، يرى البعض الآخر أن النظام النيابي الذي كرسته المادة الأولى من الدستور يفرض تعليق الدستورية الكاملة للحكومة على حصولها على ثقة مجلس النواب على بيانها الوزاري؛ فالإرادة الملكية السامية بالتعيين وأداء القسم هو بمثابة ترشيح للحكومة لتقديم بيان وزاري إلى مجلس النواب الذي يمنحها شرعية دستورية كاملة بعد موافقة أعضائه على ما جاء فيه من أفكار وبرامج.
إن الرأي الثاني الذي يقوم على تعظيم فكرة البيان الوزاري محل تقدير واعتبار، لكنه يخالف مقاصد ونوايا المشرع الدستوري، الذي على ما يبدو تتجه إلى اعتبار الحكومة في الأردن دستورية بالكامل من تاريخ أداء القسم، وبأن الثقة النيابية على البيان الوزاري هي لتعزيز هذه الدستورية وتأكيدها، فقد وصل الأمر في بعض الحكومات الجديدة إلى إجراء انتخابات نيابية قبل الحصول على ثقة مجلس النواب على بيانها الوزاري.
وما يدعم وجاهة هذا الرأي أن المشرع الدستوري قد منح الحكومات الجديدة فترات زمنية طويلة لتقديم بيانها الوزاري.
فعند تشكيل وزارة جديدة في ظل مجلس النواب قائم وموجود، فإنه يتعين عليها أن تقدم بيانا وزاريا إلى المجلس النيابي خلال شهر من تاريخ تأليفها، أما إذا تشكلت حكومة جديدة وكان مجلس النواب منحلا، فإن المشرع الدستوري قد أعطاها الحق بأن تقدم بيانا وزاريا خلال شهر من اجتماع المجلس الجديد، وذلك عملا بأحكام المادة (53) من الدستور.
إن المادة (73) من الدستور تشترط عند حل مجلس النواب إجراء انتخابات نيابية خلال أربعة أشهر على الأكثر، وعليه، فإن المدة الزمنية بين تشكيل الحكومة الجديدة وحصولها على ثقة مجلس النواب الجديد بعد انتخابه ستكون طويلة يصعب معها القول بأنها حكومة ناقصة الدستورية أو أنها حكومة تصريف أعمال، فخلال هذه المدة الزمنية التي قد تصل أقصاها إلى خمسة أشهر لا يُعقل أن يتم اعتبار الحكومة التي تشكلت بعد حل مجلس النواب أنها ذات دستورية ناقصة، وأن تُحرم من حقها في إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية عملا بأحكام المادة (45/1) من الدستور
إن هذا النهج التشريعي من إطالة المدد الزمنية للحكومات الجديدة لتقديم بيانها الوزاري قد تبناه المشرع الدستوري منذ القِدم، ففي عام 1955 جرى تعديل الدستور الأردني لصالح إعطاء كل وزارة جديدة تؤّلف مدة ثلاثين يوما من تاريخ تأليفها لكي تقدم بيانها الوزاري إلى مجلس النواب، ومدة شهرين إذا تشكلت ولم يكن المجلس النبابي منعقدا.
بذلك يكون المشرع الدستوري قد أقر بدستورية الحكومة من تاريخ صدور الإرادة الملكية السامية بتشكيلها وأداء الوزراء القسم أمام جلالة الملك. فهي تتمتع بصلاحيات كاملة منذ تأليفها، ولا تتوقف دستوريتها على حصولها على الثقة على البيان الوزاري.
هذا على خلاف الحال في الدساتير المقارنة التي توقف تعيين الحكومة على حصولها على الثقة من مجلس النواب.
فالفصل (89) من الدستور التونسي القديم لعام 2014 كان يشترط على الحكومة نيل ثقة مجلس النواب لكي يقوم رئيس الجمهورية بتعيين رئيس الوزراء والوزراء بشكل دستوري.
كما ينص الفصل (88) من الدستور المغربي الحالي لعام 2011 على أن “تعتبر الوزارة مُنَصَّبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب على برنامجها الحكومي”.
.