نورالدين نديم
مخطئ من ظنّ أنّ الصراع العربي مع الكيان الصهيوني، يقتصر على الجيوش، وفي جبهات القتال فقط.
فمنذ لحظة ميلاد القضية الفلسطينية، منذ عام 1878م، عندما استولى اليهود المهاجرين على قرية “مْلَبِّس”، وأقاموا فيها أول مستوطنة لهم وسمّوها “بتاح تكفا” وتعني بالعربيّة : “فتحة الأمل”.
كان التعليم، ولا يزال، أحد أهم الأسلحة، وأخطرها، في حسم الصراع، وانتصار الوعي، وتوارث الفكرة، وتوثيق الحقوق، وجذب التأييد لعدالة مظلومية القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
لذلك لاحظنا كيف اشترط الاحتلال في اتفاقياته مع العرب، تغيير المناهج، وبناء أخرى تهيئ الأجيال لتقبل فكرة “إسرائيل” كدولة، وحقها في حماية نفسها، ممن تسوّل له نفسه، إزالة الاحتلال، وتحرير الأرض والإنسان، وتسمية كل من يقاوم ما يفعله الاحتلال من جرائم سرقةٍ للأرض، وقتل للعرب، بالإرهاب.
يجب أن نقر بأن الكيان الصهيوني قد قطع مسافة كبيرة في الطريق إلى هدفه في طمس الهويّة العربية في فلسطين، وتطويع الاعلام العالمي، في الترويج لسرديّته، لخداع العقل الإنساني وتضليل الرأي العالمي.
وأخطر ما فعله الاحتلال، هو فرض مناهجه، في المدارس العربية داخل الخط الأخضر، وتعديل المناهج في الضفّة الغربيّة، والدول الموقعة لاتفاقيات “سلام” معه، بما يمنع أي طرح يُذكّر بفلسطين التاريخية، والقدس الموحدة، والنكبة الفلسطينية، وأي دعوة للكفاح والمقاومة بأي شكلٍ لإزالة الاحتلال.
ولعلّ إلغاء منهاج القضيّة الفلسطينية، الذي كان يُدرّس لطلبة المرحلة الثانويّة، وإزالة النّصوص والقصائد، وتقليص الفقرات التي تشير لتاريخ وتضحيات الجيش العربي، والعشائر الأردنيّة، في كفاحهم لحماية الأرض العربية من التهويد، ومكافحة المشروع الصهيوني، وخوض المعارك على كلّ التراب الفلسطيني، لهو دليلٌ على ما ابتزّنا به الكيان الصهيوني من خلال ما وقعناه معه من اتفاقيّات، لم تجلب لنا سوى التجهيل، والإضعاف، والإفقار.
في عام 2016م، بادرت نقابة المعلمين الأردنيين، في قرع الجرس، وقيادة حملة تحذّر من مغبّة فرض تعديلات على المناهج تمس ثوابتنا العربية الأردنية، التي تنص على وحدة الأرض الفلسطينية، بهويتها العربية، من بحرها إلى نهرها.
لكن وقتها سارعت وزارة التربية والتعليم بإصدار بيانٍ إتهامي وصفت فيه الحملة بغير الرّاشدة وأنها تسعى لتضليل الرأي العام والإساءة للوزارة.
وها نحن بعد سبع سنواتٍ عجاف، تم فيها قضم مناهجنا، وحرف بوصلتها، فلا هي واكبت المدنيّة وتمكنت من أدوات المعرفة العملية الخادمة للوطن والإنسان، ولا هي حافظت على الأصالة والموروث الوطني والقومي والدّيني.
فلا زال كمّ الحشو، وتزاحم الكتب يقسو على ظهور أبنائنا، بل وازداد التزاحم في الغرف الصفية، وقل عدد المعلمين، واستعانوا بمعلمي المياومة، مما زاد العبء وأضعف العطاء.
وصرنا نذكر فيما نذكر، كتاباً مستقلّاً كُنّا ندرُسه وندرّسه، يختصّ بالقضيّة الفلسطينيّة، زال أثره، وتلاشى من بين كمّ كتب المنهاج المقرر سواء في المدارس أو حتى الجامعات، وحتى نفتقد ذلك النشيد الذي كنّا نردده بمعيّة معلماتنا ونحن صغار.. (فلسطين داري ودرب انتصاري..).
فلا عجب أن نرى ونسمع رئيس وزراء الاحتلال، يتبجّح ويشترط لوقف الحرب الدائرة على غزة الآن، تغيير المناهج، لتهيأة الجيل لتقبل التعامل مع ما يسمّيه بدولة “إسرائيل”!!.