لا شك أن القرار بالاتجاه نحو موازنة شبه توسعية بدل انكماشية متحفظة لم يكن قرارا سهلا بالمطلق. الظروف المالية والاقتصادية التي يعيشها الأردن والعالم كانت ستدفع أي صانع قرار نحو التسكين والترقب، والاكتفاء بالإنفاق بالحد الأدنى من نفقات جارية تشغيلية، وكان هكذا توجه سيكون مفهوما ومقبولا من قبل الرأي العام نظرا للظروف القاسية التي أملاها على الجميع كوفيد 19. لم يفعل المخططون لموازنة 2021 ذلك، بل ذهبوا باتجاه موازنة بنفقات رأسمالية بارتفاع نسبته تقريبا 24 % مقارنة بالعام الحالي، في مؤشر واضح على إعلاء أولوية وأهمية المؤشرات الاقتصادية من نمو وبطالة وفقر على حساب المؤشرات المالية للخزينة من عجز ودين المتوقع تفاقمهما. الإنفاق الاستثماري بموازنة 2021 ليس كبيرا بالمقاييس الاعتيادية، ولكن في ضوء الظروف المالية الصعبة يعتبر مهما ويطمح لزيادة معدلات النمو للعام المقبل التي قدرتها الموازنة بحوالي 2.5 % بعد عام من الانكماش الاقتصادي.
إذا نحن أمام موازنة تطمح لرفع معدلات النمو بأمل أن تدفع إلى تخفيف معدلات البطالة والفقر من خلال زيادة النشاط الاقتصادي في البلد. هذا أول وأقوى مؤشر على توجه وتفكير الحكومة الاقتصادي، والذي سبق وأن عبّر عنه وزيرا المالية والعمل أيضا التوجه فيه مغامرة مالية نأمل أنها محسوبة فالإنفاق الرأسمالي سيزيد قيمة العجز وبالتالي المديونية، التي نسعى من خلال برنامجنا مع صندوق النقد الدولي لتخفيفها. لسان حال الحكومة يقول إننا الآن لسنا بصدد خفض العجز والمديونية كأولوية فتلك تستطيع الانتظار، والأهم في هذه المرحلة شيء من الإنفاق والتوسع في الموازنة الرأسمالية علها ترفع النمو وتخفف البطالة.
في الزيارة الأخيرة لصندوق النقد الدولي، حظي الأردن بكثير من المديح بسبب التزامه بالإصلاحات المالية، وهذا لا شك أعطى الحكومة قدرة على إقناع الصندوق بإعلاء أولوية الإنفاق الرأسمالي حتى لو كان على حساب بعض الزيادة على عجز الموازنة. ولولا قناعة الحكومة برصيد مسموعاتها المرتفع عند الصندوق، ودعم الحلفاء الدوليين لها، وتوقعها تفهم الجميع لموازنة ستزيد العجز والمديونية، لما أقدمت على هكذا موازنة، فبغير ذلك تكون تكلفة التوسع بالإنفاق والعجز كبيرة سياسيا وماليا. المهم أن يعي الجميع، بما في ذلك الحكومة، أن زيادة العجز والمديونية هو الاستثناء، والأصل أن نسير بالاتجاه المعاكس، المتسق مع برنامج صندوق النقد من خفض للعجز والمديونية على مدى سنوات تضع المديونية في مستويات آمنة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.
الموازنة بشكلها الذي انتهت إليه، تدلل على إدراك لخطورة المعدلات التي وصلتها البطالة، وإن حل هذه المشكلة وخلق فرص العمل لن يتحقق في ضوء موازنة انكماشية، ولا بد من شيء من التوسع لتحريك النشاط الاقتصادي بالبلد. خفض البطالة ورفع النمو هما أهداف وعناوين هذه الموازنة، وليس السيطرة على العجز وخفض المديونية، وقد يكون هذا المطلوب مرحليا، لكن أعين الحكومة يجب أن لا تحيد عن أهداف برامج الإصلاح المالي الأساسية وهي خفض العجز والمديونية.