الشوشان لـ(صدى الشعب): 30% انخفاض في الغطاء النباتي بسبب الجفاف
الشوشان: الانحباس المطري يضغط على النظم البيئية البرّية
صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
تعيش المملكة منذ أسابيع حالة من الانحباس المطري الخريفي، وسط مؤشرات مناخية تُنذر بموسم مطري متأخر، ما يثير تساؤلاتٍ حول انعكاسات هذا التأخر على البيئة والتوازن الطبيعي.
وفي الوقت الذي تُعد فيه أمطار الخريف الركيزة الأساسية لانطلاق الدورة الحيوية للنباتات الموسمية وتجديد الغطاء الأخضر، يؤدي غيابها إلى تباطؤ النمو النباتي، وزيادة الجفاف وهو ما يترك أثره المباشر على النظم البيئية.
وهذا الواقع لا يقف عند حدود الطقس، بل يتعدّاه إلى تأثيرات بيئية متسلسلة تشمل ازدياد معدلات الغبار، وتدهور خصوبة الأراضي، في وقت تواجه فيه المملكة أصعب فتراتها المائية بسبب محدودية الموارد وتذبذب الهطول.
توقع انخفاض كميات الهطل المطري بنسبة 15–20%
وبهذ الإطار، قال المختص في السياسات البيئية عمر الشوشان، إن الأردن يشهد في السنوات الأخيرة انحباساً متكرراً وتذبذباً في هطول الأمطار، خصوصاً في بدايات الموسم الخريفي، وهي ظاهرة لم تعد محصورة في عام واحد أو ظرف طارئ، بل باتت تتكرّر بوضوح ضمن نمط مناخي عام يزداد رسوخاً مع مرور الوقت.
وأضاف الشوشان، خلال حديثه لـ”صدى الشعب”، أن البلاغ الوطني الرابع لتغيّر المناخ الصادر عن الجهات الرسمية يؤكد أن هذه الظاهرة أصبحت اتجاهاً عاماً ناتجاً عن التحولات المناخية العالمية، مشيراً إلى أن البيانات المناخية المسجلة خلال العقود الأخيرة تدل على انخفاض تدريجي في كميات الهطل المطري بنسبة تتراوح بين 15 إلى 20 بالمئة بحلول عام 2050، في مقابل ارتفاع متوسط درجات الحرارة بما يتراوح بين درجتين إلى أربع درجات مئوية.
وأوضح أن هذا الواقع المناخي الجديد يفرض تحديات وتداعيات مباشرة على النظم البيئية والزراعية والمائية والغذائية في الأردن، ويشكّل مؤشراً واضحاً على التحول المناخي طويل الأمد الذي يحتاج إلى خطط وطنية متكاملة للتكيّف والتعامل معه.
وبيّن أن النظم البيئية البرّية في مختلف مناطق المملكة تتعرض لضغوط متزايدة نتيجة تأخر الأمطار وضعف نمو النباتات الموسمية التي تُعد أساس السلسلة الغذائية الطبيعية، مبيناً أن تأخر الهطول يؤدي إلى تراجع الكتلة الحيوية للنباتات، وبالتالي إلى انخفاض الغطاء النباتي وتدهور التربة.
90% من مساحة الأردن تقع ضمن المناطق الجافة وشبه الجافة
وأشار إلى أن تقديرات بيئية محلية تشير إلى أن الغطاء النباتي في الأردن ينخفض بنحو 30 بالمئة في سنوات الانحباس المطري، ما ينعكس سلباً على قدرة التربة على الاحتفاظ بالرطوبة والخصوبة، ويزيد من معدلات الانجراف والتصحر في المناطق الجافة وشبه الجافة، والتي تشكّل نحو 90 بالمئة من مساحة الأردن.
وقال إن هذا التدهور في الغطاء النباتي لا يقتصر أثره على النباتات فحسب، بل يمتد إلى الحياة البرية التي تعتمد على البيئة الطبيعية لتأمين غذائها ومياهها، موضحاً أن العديد من الأنواع الحيوانية البرية سجلت تراجعاً في أعدادها أو تغيراً في سلوكها الطبيعي، إذ بدأت بعض الكائنات تقترب من التجمعات السكانية بحثاً عن الغذاء والماء بعد فقدان مواردها في البيئات الطبيعية.
وأضاف أن اندثار بعض الأنواع النباتية البرية يشكّل خطراً بيئياً إضافياً، لأن هذه النباتات تُعدّ جزءاً أساسياً من السلسلة الغذائية الطبيعية للكائنات الأخرى، مشيراً إلى أن هذا الضعف في التنوع الحيوي يهدد توازن النظم البيئية في المدى الطويل.
وأوضح أن الظروف المناخية الجافة تؤدي أيضاً إلى زيادة معدلات الغبار والعواصف الترابية في مناطق البادية الشرقية، نتيجة هشاشة التربة السطحية وجفافها، مبيناً أن تكرار هذه العواصف يؤثر سلباً على جودة الهواء وصحة الإنسان والنبات، كما يسهم في تسريع عملية التصحر في مناطق واسعة من المملكة.
وأشار إلى أن فترات الجفاف والانحباس المطري ترفع كذلك من قابلية اشتعال حرائق الغابات، خصوصاً في المناطق الحرجية في محافظتي عجلون وجرش، حيث تتراجع رطوبة النباتات ويزداد خطر اندلاع الحرائق في ظل ارتفاع درجات الحرارة، الأمر الذي يزيد من هشاشة الغطاء النباتي ويؤخر عملية تعافيه في المواسم التالية.
مخزون السدود ينخفض إلى أقل من 40% في السنوات الإخيرة
وفيما يتعلق بالموارد المائية، أكد أن تأخر الأمطار يؤثر بشكل مباشر على التغذية الطبيعية للأحواض الجوفية التي تزوّد الأردن بأكثر من 54 بالمئة من احتياجاته المائية، موضحاً أن ضعف التغذية المائية يفاقم من الضغوط على مصادر المياه العذبة المحدودة في البلاد.
وأضاف أن مخزون السدود يتأثر بدوره بهذا الانحباس، إذ انخفض في بعض السنوات الجافة إلى أقل من 40 بالمئة من الطاقة التخزينية الإجمالية، ما ينعكس على إمدادات مياه الشرب والزراعة، لافتاً إلى أن البلاغ الوطني لتغيّر المناخ يشير إلى ارتفاع معدلات التبخر من المسطحات المائية بنحو 20 بالمئة خلال العقود الأخيرة، ما يؤدي إلى فقدان أكثر من ربع كميات المياه المخزنة في بعض السدود خلال فترات الحر الشديد.
وبحسب الشوشان، يمتد أثر الانحباس المطري إلى المحاصيل الزراعية الاستراتيجية، وعلى رأسها الزيتون، الذي يُعد عنصراً رئيسياً في سلة الغذاء الأردنية.
وأوضح أن الزيتون يغطي نحو 78 بالمئة من مساحة الأشجار المثمرة في الأردن ويسهم بأكثر من 14 بالمئة من الدخل الزراعي الوطني، إلا أن إنتاجيته تراجعت بنسبة تتراوح بين 30 إلى 40 بالمئة في بعض المحافظات خلال المواسم الجافة الأخيرة، بسبب ضعف الإزهار، وانخفاض رطوبة التربة، وارتفاع معدلات التبخر، مما أثر على كمية الزيت وجودته ورفع من تكاليف الإنتاج للمزارعين.
إعادة تأهيل الغطاء النباتي وحصاد المياه أساس صمود النظم البيئية
وبيّن أن هذا التراجع في الإنتاج لا يمثل خسارة زراعية فحسب، بل هو مؤشر بيئي واقتصادي على ارتباط الأمن الغذائي الأردني بشكل وثيق بالمناخ والموارد البيئية، ما يتطلب إجراءات عاجلة للحفاظ على استدامة النظم البيئية المنتجة.
وأكد أن التحولات المناخية الراهنة لم تعد أحداثاً عابرة أو استثنائية، بل باتت تشكّل تغيراً هيكلياً طويل الأمد يعيد رسم ملامح البيئة ويؤثر في التوازن الطبيعي لأنظمتها البيئية، داعياً إلى ضرورة تبني خطط وطنية للتكيّف البيئي والمناخي تتكامل فيها جهود المؤسسات الحكومية والبحثية والمجتمعية.
وأوضح أن هذه الخطط يجب أن تشمل إعادة تأهيل الغطاء النباتي المتدهور، وتنظيم الرعي وإدارته بشكل مستدام، وتعزيز تقنيات حصاد مياه الأمطار في مختلف المناطق، إلى جانب تطوير نظم الإنذار المبكر لمواجهة الجفاف وحرائق الغابات، وحماية الموائل الطبيعية والتنوع الحيوي.
وشدد على أن ضمان صمود النظم البيئية واستدامة الموارد الطبيعية هو الطريق الوحيد لمواجهة تحديات التغير المناخي، مؤكداً أن الأردن يمتلك خبرات علمية ومؤسساتية يمكن أن تسهم بفاعلية في تطبيق برامج التكيّف، إذا ما توفرت الإرادة والدعم الكافي.
وأكد على أن التعامل مع الانحباس المطري لم يعد مجرد استجابة ظرفية للمواسم الجافة، بل أصبح ضرورة وطنية واستراتيجية بيئية ملحّة، تتطلب تخطيطاً طويل الأمد وتعاوناً بين جميع القطاعات، بهدف الحفاظ على توازن البيئة الأردنية وضمان استدامة مواردها للأجيال القادمة.






