صدى الشعب – رانا النمرات – حذر متخصصون وأكاديميون من مخاطر استخدام الألعاب الإلكترونية من خلال توظيف الإمكانيات العلمية والتقنية المتطورة ووسائل الاتصال والشبكات المعلوماتية في نشر الأفكار المتطرفة، وتخويف وترويع الآخرين وإلحاق الضرر بهم أو تهديدهم وإخضاعهم، أو القيام بمهاجمة نظم المعلومات على خلفيات سياسية أو عرقية أو دينية أو حتى دوافع شخصية.
وتنفيذا لرؤى وتوجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني في مكافحة الفكر المتطرف، أنشأت مديرية الأمن العام “مركز السلم المجتمعي” في إطار خطتها الاستراتيجية كوحدة متخصصة تعنى بالفكر تثقيفا وتدريبا لمحاربة الفكر المتطرف والتطرف العنيف والظواهر السلبية في المجتمع، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة إيجابا في مكافحة التجنيد الإلكتروني وبث الرسائل المضادة في مواجهة الفكر الذي تتبناه الجماعات المتطرفة، ليبدأ العمل في المركز بصفة رسمية مطلع عام 2015، برؤية مفادها “معا نحو مجتمع أكثر سلاما لأجيالنا” ورسالة لتحقيق السلم المجتمعي وتحصين المجتمع من الفكر المتطرف.
وتحدث فريق مركز السلم المجتمعي لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) عن طرق استدراج الشباب وتجنيدهم باستخدام الألعاب الإلكترونية من خلال التواصل المباشر عبر غرف الدردشة ومواقع التواصل الاجتماعي، بدءا من دراسة وتصفح الصفحة الشخصية للشخص المراد تجنيده ومعرفة جميع معلوماته واحتياجاته ودرجة ثقافته واهتماماته، واستقطابه بناء على ذلك.
ويضيف الفريق، ثم البدء بإرسال الرسائل والإيميلات ورسائل من خلال تطبيقات الأجهزة الخلوية العشوائية؛ مثل الرسائل التي تطلب المساعدة والتبرعات ومصدرها رقم خارجي، وكذلك التواصل عبر الألعاب الموجودة على الانترنت (on-line) وخاصة ألعاب القتال والأكشن عن طريق الدردشات الخاصة بين مجتمع اللاعبين ومحاولة إغراء اللاعبين بنقلهم للقتال إلى العالم الواقعي بمداعبة مشاعر الاندفاع والتهور والبحث عن المجهول لديهم.
ويتابع الفريق، كما تنشر الفيديوهات على المواقع الإلكترونية المتضمنة أشكال القتال الحقيقي المدبلج مع تصوير احترافي يصاحبه أناشيد ثورية وحماسية تغرر بالمراهقين، ومحاولة التواصل مع أصحاب التعليقات المؤيدة للفيديوهات وإقناعهم بالانضمام، فضلا عن ذلك إنشاء المواقع الإلكترونية الخاصة بعصابات التطرف ونشر وبث سمومهم والتواصل مع زوارها، وإنشاء المواقع الإلكترونية الدينية من قبل عصابات التطرف لنشر الفتاوى الضالة والتواصل مع زوارها، أو استقطاب الشباب من خلال صفحات مزورة تحمل اسم وصور فتيات، والدخول معهم بعلاقات صداقة وتمرير سمومهم عبر الثقة العاطفية للشخص المراد تجنيده.
وأوضح أن أبرز الأسباب المساهمة في سقوط الشباب والشابات في شراك الجماعات الإرهابية الجهل وغياب الوعي الديني الصحيح لدى غالبية الشباب، بالإضافة إلى الفقر والفراغ والبطالة التي يعيشها الشباب، ما جعل التنظيمات الإرهابية تجذبهم إلى صفوفها، وسعي بعض الشباب خلف الانتقام والتنفيس عما في داخله، وانخراط البعض الآخر في مثل هذه الأعمال ظنا منه أنه ينتصر لأمته وقضيته، فهو الوحيد المدافع عن هذا الدين.
وأكد، أن أهـــــــداف التنظيمات الإرهابية من استخدام شبكات التواصل الاجتماعي هو التنسيق عبر هذه الأدوات التي تستخدمها للتفاعل والتنسيق أثناء إعداد وتنفيذ العمليات الإرهابية، لافتا إلى أن الميزة الأساسية في تلك المواقع بالنسبة لهذه الجماعات أنها توفر مجتمعات افتراضية متغيرة، تتكون بصورة تلقائية خلال الأحداث الكبيرة، الأمر الذي تستفيد منه تلك الجماعات من خلال متابعة أحدث المعلومات عن أي قضية تظهر في المجال العام.
وقال الفريق إن تجنيد أتباع جدد ونشر الأفكار والمعتقدات من خلال استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لتجنيد المتطرفين عبر إنشاء مجموعة (Group) على (فيسبوك) لاجتذاب المتوافقين فكريا معها، ومن خلال تلك المجموعات التي يمكن لها أن تنشئ حوارا بين الأطراف الذين يقومون بعملية الاستقطاب والمغرر بهم الجدد، وما يميز هذه التطبيقات هو صعوبة الدخول إلى خصائصها لأنها غير مخترقة أو يصعب اختراقها كما هي الحال في الكثير من التطبيقات الهشة.
ويشير الفريق إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي ساحة افتراضية للتدريب تستخدمها الجماعات المتطرفة بصورة أساسية للتدريب، موضحا أن الوظيفة الأساسية للموقع هي إضافة الفيديوهات التي يقوم المشتركون بتحميلها على الموقع، وبعد ذلك تصبح متاحة للرؤية من قبل الجميع، بالإضافة إلى الحصول على الدعم المادي والمعنوي في دعم المقاتلين.
وذكر، أن تحقيق الشهرة والإعلان المجاني عن التنظيمات الإرهابية لا يخفى على أحد والدور الريادي للإعلام المعاصر في تثبيت وجهة نظر معينة أو التأثير المباشر وغير المباشر في العقول البشرية، حيث استطاعت التنظيمات الإرهابية استغلال الجانب الإعلامي بصورة جديدة ومبتكرة لصالحها، واستطاعت أن تكسب عاطفة الكثيرين من خلال تلمس حاجاتهم ومعاناتهم والمساعدات التي يمكن لهم ان يقدموها لمن ينتمي لهم.
وبين أن الجماعات الإرهابية تسعى لإضفاء الصفة الشرعية على أعمالها من خلال وسائل الإعلام أسوة ببقية الأجنحة السياسية الأخرى في المجتمع، وأن يتاح لها التعبير عن وجهة نظرها مثل بقية المنظمات غير الحكومية ومراكز الأبحاث الخاصة، وكذلك المساعدة في تضخيم جرائمهم وتعظيم الأضرار التي أصابت المجتمع من الحوادث الإرهابية من خلال نشر التحقيقات الإعلامية عنهم كمجرمين عتاة يثيرون الرعب، فيزداد الخوف والذعر منهم وتتعاظم خسائر الاقتصاد خاصة في قطاع السياحة، ويفقد الناس الثقة في حكوماتهم وقدرتها على حمايتهم من الإرهابيين.
وشدد على أن الفئات التي تستهدفها التنظيمات الإرهابية، هي أولا المتعاطفون مع الفكر الإرهابي، وغالبيتهم من الشباب لاستمرار الحصول على دعمهم، وثانيا الرأي العام من أجل تأكيد نفوذها في المجتمع، إما بغرض الحشد أو التأييد أو التخويف من مواجهتها، وثالثا الخصوم من أجهزة الدولة ومؤسساتها، وذلك بهدف إضعاف موقفهم، والتأثير على هيبتهم وإظهارهم بمظهر العاجز في مقابل قوتها، ورابعا غير المتعلمين وخاصة من فئة الشباب، إلا إن المتعلمين هم فئة مستهدفة أيضا من قبلهم إما في التغرير بعدد منهم، وخاصة الشباب، ومنهم فئة العاطلين عن العمل والأحداث، وخامسا الأشخاص ذوو الإعاقة الذين عمدت التنظيمات الإرهابية إلى استقطابهم من خلال الألعاب الإلكترونية والفيديوهات الخاصة التي تترجم من خلال مترجمي لغة الإشارة الخاصين بهم، وخاصة الصم والبكم ممن يتم التلاعب بعواطفهم من خلال الفيديوهات والألعاب والروابط الإلكترونية الوهمية، إلا أنه لم يتم رصد مثل هذه الحالات في الأردن.
وبين أن أهم طرق الوقاية من التجنيد الإلكتروني هو التحصين الفكري السليم للشخص إزاء التجنيد الذي يبدأ بتغيير الأفكار، وكذلك تعزيز الفهم العميق وزيادة الوعي والوازع الديني، وتحصين الأبناء المسبق عن طريق الرسائل المبطنة وعدم التعريف المباشر بهذه الأمور، وكذلك الإشارة من الآباء إلى الأبناء منذ الصغر إلى موضوع التسامح والتعايش بين أتباع الأديان بالمناداة والتعامل، مؤكدا ضرورة عدم الاستمرار في التواصل مع الأشخاص غير المعروفين لديهم.
ولفت الفريق إلى تعريف التطرف كمصطلح يشير إلى فرد أو جماعة اعتنقت فكرا أو مذهبا أو سلوكا ما على نحو يخالف ما أجمع عليه المجتمع، وهو، أي التطرف، موقف يرفض معتنقوه أي فرصة للحوار، كما يرفضون أي تلميح حول وجود قصور أو خطأ في فهمهم.
وأشار إلى أنواع التطرف، مثل التطرف الفكري، وهو الاعتقاد بآراء والميل لأفكار معينة واعتناقها والإيمان بها رغم أنها تخالف ما اتفق عليه من قوانين، وما اشتهر من أعراف كأساس العدل والحرية والمساواة، وهو يعني أيضا التعصب والغلو والاعتداد الزائد بالنفس والفكر والمنهج والاعتقاد، والتطرف السياسي هو التشدد لجماعة أو حزب أو فكر سياسي معين، وعدم قبول الرأي الآخر ومعاداته ومحاربته بكافة الوسائل، والتطرف الاجتماعي (الأخلاقي) بالخروج عن قيم المجتمع وعاداته وتقاليده بشكل يخالف المألوف والرأي العام على أساس أن التطرف حالة من الجمود والانغلاق العقلي وتعطيل القدرات الذهنية عن الإبداع والابتكار، فضلا عن التطرف الديني الذي يعني الابتعاد عن الوسطية في الدين سواء بالغلو أو التعصب أو عدم الالتزام بقواعد الدين الصحيحة.
بدورها، قالت المحاضر في جامعة الحسين التقنية المختصة في صناعة الألعاب والواقع الأفتراضي دانيه السعيد أن هناك عدة أسباب تجعل الألعاب التي تدعو إلى العنف والإرهاب تحظى بشعبية على الصعيدين المحلي والعالمي، ويمكن للألعاب التي تتميز بالعنف والإرهاب أن توفر شعورا بالإثارة والتشويق للاعبين التي يمكن أن تكون جاذبة للاعبين، وكذلك استخدام العديد من اللاعبين الألعاب كشكل من أشكال الهروب من الواقع؛ ما يسمح لهم بنسيان مشاكلهم ومخاوفهم مؤقتا.
ولفتت إلى أن هذه الألعاب غالبا هي ألعاب متعددة اللاعبين، حيث تسمح للاعبين بالعمل كفريق واحد ومحاربة الآخرين، وهي جذابة للاعبين الذين يستمتعون باللعب معا.
وأضافت أن هناك العديد من الشركات الأردنية التي تراعي المحتوى العربي، وتقوم على تعريب وإعادة النشر لمحتوى الألعاب بما يناسب المجتمع الأردني والعربي وعاداته وتقاليده ودمج لغته، ويلعبون دورا مهما في تثبيت المحتوى الثقافي والمجتمعي والديني في الألعاب، مشيرة إلى أن جامعة الحسين التقنية بدأت بتدريس صناعة الألعاب وتصميمها وترسيخ هذه القيم والمبادئ من خلال الدروس، وتثقيف اللاعبين والجمهور الأوسع حول المحتوى الثقافي والمجتمعي في الألعاب، وتعزيز الوعي بالتأثيرات والآثار المحتملة لهذا المحتوى.
وقال المستشار والخبير في قضايا الشباب الدكتور محمود السرحان إن الألعاب الإلكترونية مثيرة للشباب نظرا لتوفرها وسهولة الوصول إليها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وشبكات الإنترنت من خلال الفضاءات المفتوحة دون حواجز جغرافية أو سياسية، ما يعني أن الرسائل الاتصالية، ومن ضمنها الألعاب الإلكترونية، لا تتحكم بالضرورة بمنظومة القيم المجتمعية المنبثقة عن الثوابت الوطنية والدينية والحضارية، الأمر الذي يخلق حالة من الحيرة والصراع الاغتراب وأزمة الهوية لدى متابعيها وممارسيها.
وبين أن السبيل الأنسب لمجابهة تأثيراتها السلبية وتداعياتها الخطيرة، هو زيادة الوعي لدى الفرد والمجتمع على حد سواء، وإنتاج بدائل وطنية وعربية وإسلامية، وإنسانية تتحكم بمنظومة القيم المشتركة للبشرية، فضلا عن السعي الجاد المخلص للحد من ممارستها كي لا تصبح جزءا أصيلا من حياة الشباب، وبالتالي يصبح اللجوء لممارستها إدمانا يصعب الخلاص منه، وكذلك أشغال أوقات الفراغ بما هو نافع ومفيد للشباب.