لم يعلم الرأي العام عن قضية البطل الأولمبي أحمد أبو غوش إلا بعد أسابيع على توقيفه في السجن، على ذمة قضية جنائية تتعلق بقيد مدني يخص أبوغوش وعائلته.
بيان الأمن العام بهذا الخصوص لم يتوسع في عرض تفاصيل القضية، أما عائلة أبوغوش، فقد غمزت في بيانها بطرف من وصفتهم بمتنفذين على صلة بالقضية.
الحقيقة لانعرفها، وثقتنا جميعا بالقضاء العادل والنزيه لحسم ملابسات القضية وإحقاق الحق، فيما يبقى السؤال عن المبرر لاستمرار توقيف أبوغوش في قضية كهذه.
والحديث هنا لايدور عن شخص عادي بل عن شاب أردني دخل التاريخ، كونه أول أردني يحصل على ميدالية ذهبية في الأولمبياد بمسابقة التايكواندو.
تذكرون تلك الأيام قبل سنوات عندما كان أبوغوش يخوض جولات المباريات، ويتقدم للمنافسة على النهائي، كانت قلوب ملايين الأردنيين مشدودة تتابع بلهفة البطل وهو يصرع المنافسين الأقوياء ويتقدم لمنصة التتويج في سابقة تاريخية لم نشهد مثلها من قبل.
وعندما حقق أبو غوش المعجزة وفاز بالذهب، احتفل الأردن كله، وتحول الشاب المغمور إلى أيقونة أردنية. صورته وهو يحمل العلم الأردني على أكتافه تحولت إلى بوستر وطني.
وعند عودته للوطن نال أبو غوش استقبالا فريدا، وتكريما على أعلى المستويات.
كنا بأمس الحاجة إلى بطل يمنحنا الثقة في أنفسنا. وكنا بحاجة إلى هذا النموذج بالتحديد لأردني من عامة الناس يلهم أبناء جيله ويقدم المثال لما ينبغي أن يكون عليه شبابنا؛ تميزا وخلقا وتفوقا في ميادين الرياضة التي أصبحت في عرف الشعوب معيارا للتحضر والتقدم.
لا شك أن هناك العديد من الرياضيين الأردنيين الذين رفعوا اسم الأردن علينا وكانوا فخرا للجميع في الرياضات الفردية تحديدا، زملاء لأبو غوش في لعبة التايكواندو، وفي السباحة والكراتيه، والملاكمة وغيرها.
لكن أبو غوش تفرد في الأولمبياد، عندما نال ميدالية ذهبية غالية وغير مسبوقة. ويوم أن وقف على منصة التتويج وارتفع العلم الأردني عاليا وعزف النشيد الملكي الأردني هناك في البلاد البعيدة وبين سائر الأمم، ملأت الدموع عيون الأردنيين فرحا وفخرا.
لسنا بلدا بحجم وحضور الصين أو الولايات المتحدة في البطولات العالمية. مثل هذه الدول العريقة وغيرها لديها آلاف الأبطال في مختلف الرياضات، وتستطيع أن تحتمل خسارة واحد منهم جراء سلوك غير قانوني. أبوغوش حالة يتيمة تقريبا في الميدان الأولمبي، وربما يكون الوحيد الذي سيذكره التاريخ، إلى أن ينظم غيره من الأردنيين لقائمة الأبطال العالميين.
ليس من السهولة بمكان التضحية ببطل تحول إلى مثال لشبابنا، فرياضة التايكواندو بعد فوز أبو غوش بدأت تستقطب الآلاف من الأطفال والفتيان وكلهم يمنون النفس الفوز على طريقة أبو غوش. وعلى امتداد الوطن تنتشر اليوم الأكاديميات التي تدرب على هذه الرياضة، حتى غدت صناعة توظف المئات.
كيف نضحي بهذه السهولة ببطل بمثل هذه المواصفات؟ ماذا يفعل أطفالنا بصوره المعلقة على جدران غرفهم؟ وأي قصة سنسردها للاعبينا عن أول بطل أولمبي أردني؟
أبو غوش أعلن اعتزاله المسابقات الدولية من السجن. هذا أمر مؤسف ومحزن، لكن الذهبية ما تزال مسجلة باسمنا وباسمه، وما يزال أبو غوش في نظر الأردنيين بطلا شرف بلاده وشعبه.
ماذا سنفعل بهذا الإرث العظيم؟ هل ننتظر حكم القضاء فيه أيضا؟