موسم الهجرة إلى الوطن الأصلي

 

ملايين العرب والمسلمين، هاجروا إلى دول الغرب، هربا من دولهم، وبحثا عن فرصة للنجاة، بسبب الظلم في بلادهم من جهة، والأوضاع الاقتصادية، ومس الحريات، والحروب.
هذا توقيت لا يحسد هؤلاء على ما هم فيه، ابدا، إذ منذ تفجيرات نيويورك وصولا إلى حوادث باريس الأخيرة، تشتد موجات الكراهية بحق العرب والمسلمين، لاعتبارات كثيرة، خصوصا، ان الغرب غير قادر كثيرا على التمييز، بين المتطرف المنتمي إلى تنظيم أو جهة، وبين العربي والمسلم العادي، الذي لا يريد مس حياته، ولا حياة غيره. عقدان من التوجس.
حملات اليمين السياسي في أوروبا والولايات المتحدة، زادت من صعوبة حياة هؤلاء، فالعربي والمسلم عموما تحت الاتهام، اما بسبب اللباس الشرعي، أو بسبب لون البشرة، أو حتى الشكوك فيما قد يفعله في مجتمعه، إضافة إلى الضغوطات الاقتصادية القديمة والحالية والتي تشتد بسبب وباء كورونا، وتجعل نظرة الغربيين إلى اللاجئين عموما، نظرة سلبية، فهم ينافسونهم على حياتهم، أو يؤثرون على أنماط عيشهم، خصوصا، ان أغلب المهاجرين حافظوا على هويتهم الاجتماعية الدينية، ولم يتركوها، وتنظر اليهم غالبية المجتمعات الغربية، باعتبارهم مجرد جزر معزولة في تلك المجتمعات، لا يريدون التغير ولا التكيف.
من المؤسف حقا، ان تثبت التجربة ان مبدأ الهجرة، مبدأ مكلف، والإنسان العربي والمسلم، في وضع سيئ الآن، فهو مكروه من جهة، أو مشكوك به، وهو أيضا غير قادر على العودة إلى بلاده، لأنه يعرف ان العالمين العربي والإسلامي يعيشان حياة لا يمكن وصفها إلا بحياة تفتقد لكل مقومات الحياة الكريمة، فوق الاضطهاد والصراعات، والكراهية الموجودة أيضا في نفس المنطقة العربية والإسلامية، على أساس الدين، أو العرق، أو المذهب، وغير ذلك.
هذا استعصاء كبير، فأين يذهب الناس اليوم، خصوصا، ان نسبة الراغبين بالهجرة بين العرب والمسلمين ما تزال مرتفعة، واللافت للانتباه هنا، ان كل قصص الكراهية في الغرب، لم تخفض موجات الرغبين بالهجرة من العالمين العربي والإسلامي، والسبب في ذلك ان الغالبية في هذه المنطقة تعتقد أيضا، انه يمكن التكيف مع الغرب، والحياة فيه، الطف واهون بكثير من الحياة في هذه المنطقة، التي لا يستطيع أحد فيها ان يقرأ غده، مقارنة بيومه ؟.
كيف يمكن ان نقرأ وضع العرب والمسلمين في الغرب، دون التورط فقط، بحصانة مواطنتهم وجنسياتهم، خصوصا، ان تفشي الكراهية وسوء الفهم، لم يعد مفيدا معه إعلان البراءة من أي أنماط يندد بها الغرب، إذ أن موجات الكراهية سوف تشتد أيضا لأسباب اقتصادية، خصوصا، مع إغلاقات ملايين الوظائف، ورخص أجور المهاجرين الذين ينافسون المواطنين الأصليين على أعمالهم، فوق التوقعات بالضغوطات على الأنظمة الصحية، ووجود ملايين اللاجئين أساسا، بشكل مخالف للقانون، ودون أوراق رسمية في كثير من دول العالم؟.
من المتوقع ان تشهد مجتمعات العرب والمسلمين في العالم، موجات هجرة عكسية، وقد يكون الكلام هنا مبالغة بنظر بعضهم، الا ان هذا الاتجاه قد يصير بارزا، خصوصا، مع التراجعات الاقتصادية خلال هذا العام، والعام المقبل، فوق ان دخول عنصر التوتر، والشك، والخوف، قد يؤدي الى زيادة ظاهرة الهجرة العكسية تجاه اوطان هؤلاء الاصلية، على ما فيها من إشكالات عميقة، تجعل الحياة فيها، خطيرة أيضا، خصوصا، في بعض الدول.
لا يبدو ان العالم يتجه للمصالحة بين مكوناته، اذ اننا نلاحظ ان النزاعات تشتد حتى بين مواطني الدولة الواحدة، في دول العالم، وتشتد أيضا بحق القادمين والمهاجرين، وتشتد سياسيا على أساس الصراعات بين تيارات سياسية تقود تلك الدول، إضافة إلى ما يتسبب به الاقتصاد من إعادة ترسيم سياسي واجتماعي، ولعل الأخطر هنا، تكريس دول العالم لسيناريوهات الفصل بين المكونات الداخلية، دون ان تعلن ذلك صراحة، الا اننا على سبيل المثال، نقرأ في تجربة الرئيس الفرنسي مثلا، دليلا على سوء الإدارة، وتكريسه للفصل بين مكونات بلاده، دون ان يتنبه الى الفرق بين المسؤول عن أي جريمة، وجر تلك المسؤولية على كل مكونات بلاده، وعدم مراعاته أيضا للخصوصية الدينية والثقافية لهذا المكون او ذاك.
العربي والمسلم، بين خيارين احلاهما مر، اما البقاء في المنطقة، بكل ما يعنيه ذلك، واما الهجرة بكل ما يعنيه ذلك، وهو هنا في أسوأ أحواله.

أخبار أخرى