أخذ الرسام الستيني الأردني أحمد محمد الخطيب (62 عاماً) على عاتقه أن لا يبخل بخبراته الفنية على الراغبين في اكتسابها، فحول بيته إلى معرض للوحاته ومرسم لتعليم طلابه.
“المُحتَرَف”، هذا هو الاسم الذي أطلقه الخطيب على منزله في منطقة كفرسوم التابعة لمحافظة إربد شمالي الأردن.
ولد الخطيب في مدينة أريحا الفلسطينية، وأكمل دراسته في الفلسفة والدراسات الاجتماعية من جامعة دمشق السورية عام 1982، وعمل بالأردن في شركات خاصّة إلى أن بلغ سن التقاعد.
وبدأ الستيني الأردني موهبته الفنّية عام 1973 من خلال نشاطات مدارس وزارة التربية والتعليم، وركّز في لوحاته على جمال طبيعة المنطقة التي يعيش فيها، والخضرة الدائمة لأشجارها.
ويقول الخطيب: “لوحاتي جزءٌ من الواقعية، وتُحاكي جماليات المكان، وأستخدم فيها الألوان المائية والزيتية والأكريليك”.
بداية الحكاية
تلقّى الخطيب أساسيات الرسم على يد معلم كان يدرّسه الفن في المرحلة المدرسية، يُدعى علي العقرباوي، في سبعينيات القرن الماضي.
وتابع: “عندما انتقلت للعيش في قرية كفرسوم عام 2005، اخترت منزلا تعود ملكيته لجدّي، وبني عام 1955، وقررت إجراء صيانه له وترميمه مع المحافظة على قيمته التراثية”.
وأضاف: “قررت منذ لحظتها أن هذا البيت لا يُناسبه إلا لوحاتٍ فنية تُعبر عن نفس المكان، وكان دافعاً لي بأن أزيد من نشاطي الفني بالرسم، وحالياً يتواجد بداخله نحو 100 لوحة”.
وزاد: “تحوّل البيت إلى مزار لأهل المنطقة، من مختلف الفئات العمرية، وتولدت لدى عددٍ كبيرٍ منهم الرغبة في تعلم هذا النوع من الفن، وبدأت بتعليم من يرغب منهم دون أي مقابل”.
واستدرك: “أبناء المنطقة معروفون بتذوّقهم للفن؛ بحكم الطبيعة الخلابة التي تتمتع بها، ما أعطاهم حافزاً للتوجه نحو تعلّم الرسم”.
وذكر الرسام الأردني، أن “الفن بالنسبة لي رسالة إنسانية وليس تجارة، فأنا لم أتقاض أي مبالغ مالية مقابل أي لوحة، وأهديها لمن يرغب بها”.
400 لوحة
ولفت إلى أنه طيلة مسيرته الفنية قام برسم ما يزيد على 400 لوحة، وشارك فيها بمعارض محلية وخارجية، كان من أبرزها في كندا والبوسنة وفلسطين وتركيا والسودان.
وكانت أسرة الخطيب الأكثر تأثراً بفنّه، فقد أصبح نجله الأكبر رأفت من أمهر رسامي الكاريكاتير على مستوى المملكة وحصد جوائز عالمية، وانتقل بعدها للعمل في الولايات المتحدة، فيما تمارس ابنته شيماء تصميم الأزياء باستخدام صنّارة الكروشيه.
زوجة الخطيب فنّانة هي الأخرى، وتُجيد خطوط اللغة العربية بمختلف أنواعها، ولكنها سخّرت نفسها لدعم زوجها وتشجيعه على موهبته، خاصّة بعد أن تعرض لجلطة دماغية عام 2019، أدت لانقطاعه عن الرسم، ثم عودته له مرة أخرى.
صناعة المواهب
بتول الخطيب (22 عاماً) طالبة في مرحلة الماجستير بتخصص الفن التشكيلي، كانت إحدى الطالبات اللاتي تعلمن على يد الرسّام الأردني، قالت: “لم يكن لدي أي موهبة بالرّسم، لكن تمكنت هنا من تعلم هذا الفن على يد معلمي الرسام أحمد”.
وأضافت: “تمكّنت مما تعلمته هنا من رسم جدارية كبيرة في جامعة اليرموك، والتي لاقت إعجاباً كبيراً ممن زاروها، وما زالت موجودةً حتى الآن”.
آيات عبيدات (28 عاماً) طالبة أخرى لدى الخطيب، وعلى مقاعد الدراسة في مرحلة الماجستير، قالت: “دخلت دورة عند الأستاذ أحمد، وزادت معرفتي به، وتعودت على زيارته باستمرار والتعلّم منه، ورسمت معه عدة لوحات”.
وأردفت: “رسماته توثيق للتاريخ، وأشعر بأن لديه أسلوبا خاصا، فهو يقول إن الفن يجب أن يُخاطب عقل الإنسان ولا يجوز خداع المشاهد”.
وببراءة الأطفال وأسلوب الكبار، عبر رويد أبو علوش (10 أعوام) عن سعادته لقبول أهله الالتحاق بالتعلم لدى الخطيب، مُبيناً بأن والده كان معارضا له في البداية، لكنه عندما انتبه لرسوماته قام بتسجيله للتعلم وتطوير مهاراته في المرسم.
واختتم الخطيب حديثه بالتأكيد على أن الإنسان لا بد له بألا يكون أنانياً فيما أعطاه الله من موهبة، فالأساس هو “نقل العلم لا احتكاره”.