السرحان لـ(صدى الشعب) هيئة الاتصالات لعبت دوراً جوهرياً في تطور القطاع وتعزيز التنافسية

خدمات الجيل الخامس نقلة نوعية تتماشى مع الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي

التحولات على مستوى البنية التحتية الرقمية لم تكن لتتحقق لولا وجود قيادة تنظيمية واعية

صدى الشعب – راكان الخريشا

في عصر يُبنى فيه مستقبل الدول على قواعد رقمية متينة، يبرز الأردن كنموذجٍ يسعى بجدية لتأمين موقع ريادي في عالم الاتصالات وتقنيات المعلومات، هذا الطموح الوطني لا يتحقق من فراغ، بل من خلال أذرع تنظيمية فاعلة تقود التحول وتؤسس لبيئة رقمية مستدامة وعادلة، من هنا يأتي الدور المركزي لهيئة تنظيم قطاع الاتصالات، والتي تعمل كرأس حربة في تطوير البنية التحتية، وتعزيز التنافسية، وتحقيق العدالة الرقمية، بما ينعكس مباشرة على المواطن والمستثمر والاقتصاد الوطني.

وفي هذا الإطار، أجرت “صدى الشعب” مقابلة خاصة مع رئيس مجلس مفوضي هيئة تنظيم قطاع الإتصالات المهندس بسام فاضل السرحان، الذي قدّم صورة شاملة لما تحقق في السنوات الأخيرة، وما هو قيد التنفيذ حاليًا، من مبادرات وسياسات جعلت من قطاع الاتصالات رافعة تنموية حقيقية.

بنية تحتية حديثة تعزز حضور الأردن الرقمي

استهل السرحان حديثه بالتأكيد على أن الهيئة لعبت دورًا جوهريًا في تسريع وتيرة التطور في قطاع الاتصالات من خلال تسهيل تقديم الخدمات وإزالة العقبات أمام الشركات، وأوضح أن الهيئة عملت على تيسير عمليات ترخيص الشركات، وتبني سياسات مرنة لتشجيع دخول التقنيات الحديثة، وفي مقدمتها خدمات الفايبر، وخدمات الجيل الخامس، التي تشكل القاعدة الأساسية للحصول على خدمات اتصالات عالية الجودة في مختلف أنحاء المملكة.

وأكد السرحان أن هذه الجهود تُترجم إلى نتائج ملموسة، لا سيما في المناطق التي كانت تعاني سابقًا من ضعف البنية التحتية، وشدد على أن الهيئة أقدمت على ترخيص خدمات الإنترنت الفضائي، لتغطي المناطق التي يصعب الوصول إليها عبر الطرق التقليدية، مثل بعض المناطق الريفية والنائية، مما يسهم في تقليص الفجوة الرقمية، وتمكين المواطنين من الوصول إلى فرص متساوية في التعليم والعمل والخدمات الرقمية.

الجيل الخامس: حجر الزاوية في الاقتصاد الرقمي

حول إدخال خدمات الجيل الخامس إلى السوق الأردني، تحدث المهندس السرحان بإسهاب عن أهمية هذا التحول، الذي يُعد بمثابة نقلة نوعية، وقال إن الهيئة اتخذت خطوات استباقية من خلال تقديم حزم تحفيزية للشركات، أبرزها الإعفاء من ضريبة المبيعات والرسوم الجمركية على مكونات البنية التحتية الخاصة بشبكات الجيل الخامس، إلى جانب منح ميزة حيادية التكنولوجيا، وهو ما يعكس مرونة الهيئة في التعامل مع التطورات العالمية.

كما أشار إلى توقيع اتفاقيات استراتيجية مع شركات الاتصالات الرئيسية في المملكة — أورانج، أمنية، وزين — مما مهد الطريق لإطلاق خدمات الجيل الخامس رسميًا، وأضاف أن هذا الإدخال يتماشى مع الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي (2021–2025)، ورؤية التحديث الاقتصادي التي أُطلقت برعاية ملكية سامية، مؤكداً أن الجيل الخامس ليس فقط أداة اتصال أسرع، بل هو محرك رئيس للابتكار، ورافعة للنمو الاقتصادي، ووسيلة لخلق فرص العمل عبر قطاعات متنوعة كالصحة، والتعليم، والنقل، والصناعة.

مراقبة الجودة: كفاءة ميدانية وأنظمة متطورة

وعن آليات مراقبة جودة الخدمات، أوضح السرحان أن الهيئة تمتلك كوادر فنية مدرّبة تستخدم أحدث الأجهزة والبرمجيات المتخصصة في الفحص الفني، وتقوم بإجراء حملات ميدانية منتظمة تشمل جميع محافظات المملكة، بهدف التحقق من جودة الخدمة المقدمة للمستخدمين، كما أن الهيئة تتعامل بجدية مع شكاوى المواطنين وتُعد تقارير فنية مفصلة يتم من خلالها إلزام الشركات بإجراء التحسينات المطلوبة، بما يضمن استمرار التزامها بالمعايير العالمية.

التوازن بين حماية المستهلك وتشجيع الاستثمار

واحدة من أعقد المهام التي تضطلع بها الهيئة هي تحقيق التوازن بين حماية حقوق المستخدمين، وتوفير بيئة محفزة للاستثمار، وهي معادلة نجحت الهيئة في إدارتها بامتياز، وبيّن السرحان أن الهيئة نفذت سلسلة من الإجراءات التنظيمية الجريئة، أبرزها:

• تعديل تعليمات منح رخص الاتصالات العامة، وتقسيمها إلى فئات، مع تخفيض رسومها لتسهيل دخول الشركات الصغيرة والمتوسطة.

• دعم تكنولوجيا إنترنت الأشياء (LoRaWAN)، مما يعزز البنية التحتية الرقمية ويفتح المجال أمام خدمات جديدة في مجالات الصناعة والزراعة والنقل.

• منح رخصة لشركة ستارلينك لتقديم خدمات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، وهي خطوة استراتيجية لتعزيز الشمول الرقمي.

كما أوضح أن الهيئة دعمت مشاريع كوابل الألياف الضوئية العابرة للحدود، وأصدرت تراخيص لشركات متخصصة في تأجير أبراج الاتصالات، مما ساعد في خفض التكاليف عن المشغلين، وزيادة الكفاءة التشغيلية.

تطوير منظومة الترددات والتقنيات الحديثةمن الناحية الفنية، أشار السرحان إلى أن الهيئة قامت بإعادة هيكلة رسوم الترددات، لتكون أكثر عدالة وتشجيعًا للاستثمار، إضافة إلى طرح حزم ترددية مجانية أو منخفضة التكلفة لاستخدامات شائعة كـ WiFi، مما يزيد من فرص الاستخدام المجتمعي.

وأعلنت الهيئة عن تحديث تعليمات استخدام المحطات الأرضية الثابتة والمتنقلة، وتبسيط إجراءات إدخال أجهزة الاتصالات إلى الأردن، وتقديم تسهيلات مهمة للشركات العالمية مثل سامسونج، والحاضنات الريادية.

كما تعمل الهيئة على تبني ما يُعرف بـ”Regulatory Sandbox”، وهو إطار تنظيمي يسمح للشركات الناشئة باختبار منتجات وخدمات جديدة في بيئة آمنة قبل ترخيصها رسميًا، مما يعزز بيئة الابتكار ويشجع الاستثمارات النوعية في القطاع.

إصلاحات في قطاع البريد تدعم التجارة الإلكترونية

وعلى صعيد قطاع البريد، أشار السرحان إلى أن الهيئة نفذت إصلاحات كبيرة هدفت إلى مواكبة نمو التجارة الإلكترونية، مشيرًا إلى أن عدد الشركات البريدية المرخصة ارتفع بنسبة 47% حتى منتصف عام 2025، كما تبنت الهيئة مبادرة “رياديو البريد” لتعزيز الريادة في هذا القطاع، وبدأت بإدخال إصلاحات على آليات الترخيص، وتنظيم خدمات التوصيل الحديثة.

وأشار إلى التنسيق المستمر مع الجهات الحكومية لضمان ضبط سوق الخدمات البريدية، وحماية حقوق المستثمرين والعاملين فيه، مما يعكس نهج الهيئة التشاركي والمسؤول.

شكاوى المواطنين: منصات متعددة واستجابة فاعلةوعند الحديث عن آلية استقبال شكاوى المواطنين، أكد السرحان أن الهيئة وفّرت قنوات متعددة لاستقبال الشكاوى تشمل: الحضور الشخصي، مركز الاتصال، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني للهيئة، وتُعالج الشكاوى وفقًا لطبيعتها، عبر نظام إلكتروني يربط الهيئة بالشركات المعنية، مع تحديد مدد زمنية واضحة لحل الشكوى، وإشراف مباشر من الهيئة للتحقق من إنصاف المواطن.

وأوضح أن هذه المنهجية تنبع من مبدأ الشفافية والمساءلة الذي تتبناه الهيئة، وهي تحظى بتقدير كبير من قبل المستخدمين، حيث يشعر المواطن بوجود جهة رقابية جادة تتبنى قضاياه وتتابع حقوقه.

هيئة تنظيم الاتصالات… ركيزة التنمية الرقمية في الأردن

من خلال هذا العرض الشامل، يتضح أن هيئة تنظيم قطاع الاتصالات لا تعمل فقط على تنظيم سوق تقني حيوي، بل تؤدي دورًا تنمويًا محوريًا، يؤسس لاقتصاد رقمي حقيقي، ويواكب تطلعات القيادة، وطموحات الأردنيين.

التحولات التي تشهدها المملكة على مستوى البنية التحتية الرقمية، التشريعات، جودة الخدمة، وبيئة الأعمال لم تكن لتتحقق لولا وجود قيادة تنظيمية واعية، تعمل بصمت وكفاءة خلف الكواليس، وفي ظل ما كشفه رئيس مجلس مفوضي هيئة تنظيم قطاع الاتصالات المهندس بسام فاضل السرحان من إنجازات ومبادرات، فإن المواطن الأردني والمستثمر المحلي والعالمي أمام قطاع ناضج، منفتح، وقابل للنمو المستدام.

هيئة تنظيم قطاع الاتصالات ليست فقط جهة رقابية، بل شريك استراتيجي في بناء مستقبل رقمي أردني عادل، مبتكر، وشامل.