صدى الشعب – كتب ماهر أبو طير
أغلب موظفي الحكومة يعملون في وظائف ثانية، سواء بموافقات حكومية، أو بدون موافقات، وتجد من بينهم من يعمل في وظائف مختلفة، وبرغم كل هذا الواقع يجهدون ويتعبون.
مناسبة هذا الكلام الضجة المثارة الآن في عمان وأخواتها، بعد صدور نظامي إدارة الموارد البشرية في القطاع العام، ومعدل لنظام الخدمة المدنية، حيث جاء في النظام المعدل لنظام الخدمة المدنية أنه يتوجب على الموظفين الحاصلين على إذن بالعمل خارج أوقات الدوام الرسمي قبل نفاذ أحكام هذا النظام المعدل إنهاء ذلك العمل قبل 31/12/2024، في حين جاء في نظام إدارة الموارد البشرية في القطاع العام أنه يحظر على الموظف وتحت طائلة المسؤولية التأديبية الإقدام على العمل خارج أوقات الدوام الرسمي.
هذا سيؤدي إلى خسارة أعداد كبيرة من موظفي الحكومة لوظائفهم الإضافية في القطاع الخاص، خارج العمل الرسمي، وسيؤدي إلى خفض دخولهم، والتسبب بمشاكل عائلية ، وعلينا أن نتخيل هنا فقط حجم الأضرار التي ستقع على العائلات ماليا، بما في ذلك تداعيات الأمر على استقرار العائلات، وفي الوقت ذاته سيؤدي إلى إغلاق آلاف الوظائف حتى لو ظن البعض أن هذا التوجه سيؤدي إلى تشغيل العاطلين عن العمل بسبب خروج “كتل عاملة” من السوق، ودخول كتل جديدة، لأن عملية الاستبدال هنا غير مضمونة أصلا.
هذا كله على افتراض أن الموظفين الحكوميين يحصلون على موافقات مسبقة، وهؤلاء عليهم إنهاء أعمالهم، بمعنى أن التطبيق سيكون بأثر رجعي، بما سيؤدي أيضا إلى مفاضلات في حالات كثيرة لدى الموظف الحكومي، بين وظيفته الحكومية، وأي وظيفة ثانية قد تكون أعلى ماليا، بما يعني استقالة أعداد من جهاز الحكومة، وقد يكون هذا هدف ضمني آخر من أهداف هذا التوجه الجديد الذي مر بنعومة وهدوء تشريعي دون أن يقف ضده أحد.
ما سيحدث أيضا أن كثرة ستعاند هذا التوجه وسوف تواصل العمل سرا، خصوصا، أن لا وسائل لضبط المشهد، مع وجود آلاف الوظائف خارج العمل الرسمي، ليست مرصودة ضريبيا ولا بواسطة الضمان الاجتماعي مثلا، ولا بأي طريقة، لكن المحصلة الاجمالية ستؤدي إلى خلخلة سوق العمل في الأردن، وستزيد من حدة المشاكل خصوصا مع الإحالات المبكرة للتقاعد، والتي تؤدي إلى نقل عبء الرواتب من الخزينة إلى الضمان الاجتماعي بما يعنيه ذلك من ضغوطات وتدفق أعداد جديدة للسوق تبحث عن عمل، وتؤدي أيضا إلى خسارة الموارد البشرية في بعض الحالات، والقصة ذاتها تنطبق بطريقة ما على الحاصلين على إجازات بدون رواتب، وأغلبهم يعيش خارج الأردن، وسيضطرون اليوم للمفاضلة، بين عملهم في الخارج، وخسارة شواغرهم هنا داخل الأردن، وهي شواغر معلقة لا يستفيد منها غيرهم، ولا يعودون إليها.
وفقا لوجهة النظر الرسمية هناك مبررات لكل هذا، من بينها ترشيق الجهاز الحكومي، وخفض أعداد العاملين فيه، وخفض جاذبيته، وربما فتح المجال لتعيينات حكومية جديدة وهذا أمر بالنسبة لي مشكوك فيه في ظل الضغط الاقتصادي على الخزينة؛ لأن الهدف الأبرز تخفيف أعداد موظفي الحكومة، كما أن وجهة النظر الرسمية تتسلح هنا كون الموظف الحكومي في الأساس متفرغ فقط لوظيفة الحكومة، وأي تجاوزات بالعمل سرا، أو من خلال الحصول على موافقة، أمر لا بد أن ينتهي، بل ويذهب الرسميون أكثر ويقولون إن هناك أعدادا كبيرة في الحكومة أغلبها لا يداوم أصلا ويأخذ راتبه شهريا، ويذهب كل يوم للعمل في القطاع الخاص، ويطرح البعض أسماء لمؤسسات وجهات معروفة تتجلى فيها هذه الظاهرة الخطيرة.
في كل الأحوال هذا الملف حساس وسيؤدي إلى ضجيج كبير، لأن كل المبررات التي تقال لا تنفي وجود أعداد كبيرة من المتضررين، والمتضررون هنا لديهم تعقيداتهم خصوصا من يجهدون للعمل في وظيفتين يوميا، وسيجدون أنفسهم في وضع استثنائي اليوم، لا يمكن تبريره على المستوى الشخصي، كونه يخسر وظيفته في القطاع الخاص، حتى يحصل عليها شخص آخر مستجد في القطاع الخاص، ولا يمكن تبريره على المستوى الشخصي، وأن موظفي الحكومة العاملين في القطاع الخاص، خارح الوظيفة الرسمية أغلقوا الفرص على غيرهم، ونافسوا غيرهم دون وجه حق، في ظل مصاعب اقتصادية باتت تنتج أنماطا جديدة أصلا.