ماجد توبه
تدمير مجمع الشفاء الطبي الضخم وتسويته بالارض وترك اكثر من اربعمئة جثمان اعدموا بلا شفقة ولا ضمير لم يستثر هذا العالم المنافق كما استثاره تدمير الاحتلال النازي الاسرائيلي سيارة منظمة مساعدات دولية (المطبخ المركزي الدولي) ومقتل سبعة من متطوعي هذه المنظمة، ففيما انهالت التصريحات والمطالبات بالتحقيق في الثانية مرت جريمة تدمير اكبر مستشفيات غزة والمحوري الرئيسي فيها مرور الكرام على ذات الدول المنافقة المتواطئة بصمتها مع عدوان الكيان الصهيوني.
لم يكن احد منا يتوقع قليلا من الاخلاق من العدو الصهيوني في اي حرب يخوضها، ومع ذلك فما ارتكبه ويرتكبه هذا العدو في غزة يفوق الخيال وكل ما تتوقعه من جيش او بشر حتى في الحروب، فهنا لاحصانة لروح حتى لو كانت لطفل في غرفة الخداج، وهنا مطلوب القتل بتوسع وليس فقط عند الحاجة ومحق كل مظهر للحياة لدى الفلسطينيين، هنا تدمر مربعات سكنية كاملة وتخلف المجازر ومئات الشهداء تحت الانقاض اغلبها من النساء والاطفال.
هنا لا حصانة لمستشفى ولا لسيارة اسعاف.. بل امر واضح بالبحث عن كل ما يحرُّ انسانية البشر لاستهدافه واستباحة دمائه.. هنا تتصيد الطائرات المسيرة التي تملأ سماء غزة البشر والمدنيين كالعصافير وتتفنن في قتلها وتفجيرها. هنا تستباح وتدمر كل مظاهر الحياة المدنية من جامعات ومدارس وكنائس ومساجد. هنا تصطاد الارواح رخيصة من قبل المختبئين في دباباتهم على دوار الكويتي عندما يقترب الجوعى والعطشى للبحث عن مساعدات واغذية تسد رمق اسرهم.
انت هنا لا تتعامل مع بشر عاديين.. فالاسرائيليون تربوا ونشأوا ضمن ثقافة جيتو اجرامية، متعالية تنظر للاخر.. أي أخر على انه اقل من بشر.. حيوانات كما قال وزير حربهم جالانت على رؤوس الاشهاد، انت تتعامل هنا مع ثقافة لا تؤمن باخر، ولا بالمساواة بين البشر، كلهم “غوييم” اقل درجة ومرتبة انسانية من “شعب الله المختار”.
هذه الحرب، بل قل هذه الابادة المفتوحة على المدى، اظهرت كل ما في المجتمع الصهيوني من عفن اخلاقي ودمار انساني، كان القرار فيها منذ البداية هو تدمير غزة انسانا وحجرا ومظاهر حياة، ليس مهما الاشتباك مع المقاومة بل تدمير الحاضنة الشعبية.. اطفالا ونساء ورجالا وكبار سن، انتقاما اعمى واسود من كل ما هو فلسطيني.
الامر الثاني الذي فاجأك رغم عدم مراهننك على اخلاق او التزام الولايات المتحدة والغرب بالقانون الدولي والقيم البشرية، هو هذا الموقف المخزي والفاجر للادارة الامريكية وكل من لف لفيفها من حكومات في هذا الغرب المتهالك، وهو يتواطأ ويبرر ويدافع عن اجرام اسرائيل وحرب الابادة التي تخوضها، بل وحرب تدميرها لكل المؤسسات الدولية والاممية وعلى راسها الاونروا وبرنامج الغذاء العالمي وغيرها.
ان كانت الشمس لا تغطى بغربال، فقد سعت الولايات المتحدة بكل وقاحة واجرام الى تغطية مجازر اسرائيل المصورة بالصوت والصورة بغربال الاكاذيب، بل وامدتها بكل انواع الاسلحة والذخائر التي احالت غزة الى خراب ودمار شامل.
الكثير من المستعمرين والمحتلين والمجرمين عبر التاريخ راهنوا على ان ذاكرة الشعوب قصيرة وان النسيان هو مصير كل الذكريات السيئة مع الاحتلال، لكنهم اكتشفوا بعد فوات الاوان ان هذه الافكار والقناعات واهمة وغير صحيحة، فكيف بربكم مع ما يحصل اليوم في غزة من ملء الحواري والشوارع والبنايات المهدمة بجثامين الشهداء او ببقاياها بعد ان تركت اسابيع دون اكرام دفنها؟ كيف يمكن للشعب الفلسطيني والشعوب العربية ان تنسى حجم هذا الاجرام والاستهتار بانسانية العربي الفلسطيني؟
هي جولة صراع من حرب لن تنتهي معهم.. لا يمكن لنا ان ننسى هذا الحقد والاجرام الذي ذاقته غزة واهلها وعلى مراى ومسمع العالم المتحضر.. والايام بيننا.