الحزمة الأخيرة وديوان الخدمة

حزمة الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة والتي ستضخ بالأسواق حوالي ربع مليار دينار، هي لا شك خطوة في الاتجاه الصحيح لأنها، وحسب ما تحدثت به الحكومة، تحفيزية، الحزمة تشمل أيضاً عددا من الإجراءات للتخفيف عن كاهل المواطنين بعضاً من المعاناة ولتعزيز الحماية الاجتماعية، في مثل هذه الظروف يستدعي التوازن الاجتماعي الاقتصادي أهمية مطلقة وقرارت الحكومة بالتأكيد هي نابعة من هذا الحرص في هذا الاتجاه.

لا أحد ينكر أن البطالة هي المشكلة الكبرى التي تؤرق اليوم الحكومة والمجتمع الأردني ومعهما السلام والأمن المجتمعي، لكن على الحكومة، وإن أرادت الاستمرار في المحافظة على الأمن الاجتماعي الاقتصادي، عدم الاستخفاف بالأرقام المرعبة التي أعلن عنها رئيس ديوان الخدمة المدنية قبل فترة وجيزة، وهي تنذر بقنبلة موقوتة يقع على الحكومة فكها قبل انفجارها، على أقل تقدير تستدعي التفكير لمرحلة ما بعد ديوان الخدمة في نمطه الحالي، أوضح فورًا أنني لا أتكلم عن إلغائه، بل عن ضرورة تطويره ومواكبته للعصر الحالي، كما حصل في بعض الدول إضافةً لجهوده في التحديث الإداري، فقد أصبح من الضرورة تحديث الديوان ولديه من الخبرات ليصبح أكثر تطوراً ومواكبةً للعصر.
الديوان مسجل به حاليًا وينتظرون دورهم للتوظيف 423 ألفا من الخريجين، يضاف له سنوياً 60 ألف خريج على الأقل ويوظف بحده الأقصى 10 آلاف خريج، حسبة بسيطة تقودنا لنتيجة أن من هم مسجلون حاليًا يحتاجون لـ42 سنة للتوظيف، هذه الآلية عفا عليها الزمن ولا بد من التفكير بتحديث هذا الديوان ومواكبته العصر، وجميعنا يعلم أن الوظائف الحكومية مشبعة ولا يمكن لها استيعاب أكثر من الرقم الذي تستوعبه حالياً.
جاء تأسيس ديوان الخدمة المدنية العام 1955 في ظروف كانت تشهد بها المملكة توسعاً أفقياً وعمودياً في الوظائف الحكومية بعد توحيد الضفتين واستحداث الدوائر الحكومية، وبالتالي توفر الوظائف العامة وعن طريق الديوان يتسنى إرسال الرجل المناسب في المكان المناسب، الظرف الذي كان موجوداً آنذاك لم يعد موجوداً اليوم والخريجون كثيرون والوظائف محدودة.
ومن جهة أخرى، يجب أن لا نغفل أن رعوية الدولة في ذلك الوقت هي غيرها اليوم، للأسف عند الكثير من أبنائنا الخريجين والذين يسجلون في ديوان الخدمة المدنية اليوم، ما يزالون يعتقدون أن إيجاد الوظيفة الحكومية لهم واجب على ديوان الخدمة وبالتالي على الحكومة، وهذا من شأنه أن يقلل من اهتمام الشباب بتنمية مهاراتهم، هذا بحد ذاته يفسر رفض الكثيرين ممن هم على قوائم ديوان الخدمة للوظائف في القطاع الخاص، رغم أن ما يزيد على 100 ألف مسجل على القوائم (حسب تصريحات رئيس الديوان) يعملون حالياً في القطاع الخاص.
ثمة خلل يجب تصحيحه قبل فوات الأوان، وهو توسيع مفهوم ديوان الخدمة المدنية ليصبح محركًا لتنظيم جميع فرص العمل التي تلوح في الأردن في القطاعين العام والخاص، وكذلك التي تطلب من الأردن من قبل الدول الشقيقة والصديقة، وهذا يتطلب تعديلات تشريعية وإدخال ثقافة جديدة في مفهوم البحث عن العمل، في الدول المتحضرة لا يوجد أي فرق بين الوظيفة في القطاع العام أو في القطاع الخاص ويشعر الجميع بالأمان الوظيفي، في الأردن هناك جزء كبير من القطاع الخاص العمل به يوازي أو يفضل على القطاع العام، إلا أن هناك وللأسف قسماً آخر في القطاع نفسه لا يوجد به أدنى حدود الأمان الوظيفي، ما يجعل أبناءنا يرفضون العمل بهذه المؤسسات وتترسخ لديهم فكرة تفضيل العمل الحكومي.
هذا الاقتراح ليس فقط لتنظيم وربط المسائل بالواقع الذي نعيشه، بل لأنه سيسهل الكثير من الأمور على حكومتنا ومن شأنه أيضاً تخفيف مستوى البطالة بين أبنائنا، وسيخفف من وتيرة الواسطة والمحسوبية ليحل محلها العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين الجميع، الثورة الإدارية التي نادى بها الرئيس تبدأ من هنا.

أخبار أخرى