خبراء : الصيام يسهم في تحسين الحالة النفسية
صدى الشعب _أسيل جمال الطراونة
يأتي شهر رمضان محملاً بالخير والبركة، ليس فقط كعبادة روحية، بل كرحلة داخلية تعيد التوازن إلى النفس والجسد معا فالصيام، الذي يتجاوز كونه امتناعاً عن الطعام والشراب يمنح الإنسان فرصة للتحرر من الضغوط النفسية والمادية، ويعززالصبر وقوة الإرادة
في هذا الشهر، يجد الصائمون في روحانياته ملاذاً للهدوء والسكينة، حيث يقل التوتر وتزداد القدرة على التحكم في الانفعالات، مما ينعكس إيجاباً على الصحة النفسية.
يقول الدكتور نزار الزعبي مساعد عميد كلية العلوم التربوية لشؤون الجودة والاعتماد رئيس قسم الارشاد النفسي والتربوي في جامعة جدارا لـ “صدى الشعب ” أن الصيام له تأثيرات متعددة على الصحة النفسية والمزاج، حيث يساهم في تحسين الحالة النفسية من خلال زيادة هرمونات السعادة مثل السيروتونين مما قد يؤدي إلى الشعور بالراحة والإيجابية بالإضافة إلى ذلك يساعد الصيام في تقليل مستويات التوتر والقلق ، الأمر الذي يمنح الصائم إحساسًا بالاسترخاء والهدوء.
كما ويشير الزعبي إلى أن بعض الدراسات أكدت أن الصيام يعزز القدرة على التركيز والانتباه، مما يجعله وسيلة فعالة لتحسين الأداء العقلي، ومع ذلك، قد يشعر بعض الأشخاص بانخفاض في الطاقة خلال فترة الصيام، مما يؤثر سلباً على المزاج في البداية، إلا أن الجسم غالباً ما يتكيف مع هذا التغيير مع مرور الوقت.
وأضاف الزعبي أن الصيام يساهم في تطوير الانضباط الذاتي حيث يعزز التحكم بالعادات والسلوكيات مما ينعكس إيجابيًا على الصحة النفسية بشكل عام ، كما أن له دورا في تقوية الروابط الاجتماعية خاصة في المجتمعات التي تعتمد على الإفطار الجماعي والأنشطة المشتركة وهو ما يساهم في تعزيز الشعور بالانتماء والدعم الاجتماعي.
أما فيما يتعلق بالنوم، فقد يعاني بعض الصائمين من اضطرابات في النوم نتيجة تغير أنماط الأكل والنشاط اليومي،مما قد يؤثر على مزاجهم لذلك. من الضروري الحفاظ على نظام نوم جيد لتجنب هذه التأثيرات السلبية.
كما وقدم الزعبي نصائح للمحافظة على التوازن النفسي خلال الشهر الفضيل، حيث ينصح الزعبي باتباع مجموعة من العادات التي تساهم في تعزيز الراحة النفسية في مقدمتها، يأتي تنظيم الوقت بحيث يتم توزيع الجهد بين العبادة العمل والراحة، مما يساعد في تحقيق توازن صحي.
إلى جانب ذلك تلعب التغذية السليمة دوراً محورياً، حيث يفضل تناول وجبات متوازنة عند الإفطار والسحور مع التركيز على الفواكه الخضروات والبروتينات للحفاظ على الطاقة وتحسين المزاج.
كما أن شرب كميات كافية من الماء بين الإفطار والسحور ضروري للحفاظ على الترطيب الجيد، مما ينعكس إيجابيًا على الصحة النفسية.
في السياق ذاته ، ينصح بتخصيص وقت للعبادة والتأمل حيث تساهم قراءة القرآن والدعاء في تحقيق السكينة والطمأنينة، كما يعتبر النوم المنتظم عنصرًا أساسيًا للحفاظ على المزاج والتركيز، لذلك يفضل الالتزام بساعات نوم كافية.
واضاف الزعبي انه على الصعيد الاجتماعي فإن التواصل مع الأهل والأصدقاء وتعزيز العلاقات الاجتماعية من خلال الإفطار الجماعي يساهم في التخفيف من الشعور بالوحدة، مما يعزز الإحساس بالدعم النفسي إضافة إلى ذلك، يمكن الممارسة التمارين الرياضية الخفيفة مثل المشي أن تلعب دورًا فعالاً في تحسين المزاج وتقليل التوتر.
وللحد من الضغوط النفسية، ينصح بتبني تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق أو التأمل، إلى جانب الحفاظ على نظرة إيجابية للحياة، مع تذكر أن رمضان يمثل فرصة للتقرب إلى الله وتعزيز القيم الروحية ، وفي حال الشعور بالقلق أو الاكتئاب من المهم عدم التردد في طلب المساعدة من مختصين في الصحة النفسية.
يؤكد الزعبي أن العلاقة بين الصيام والتوتر معقدة، إذ يمكن أن يسبب انخفاض مستويات السكر في الدم خلال فترة الصيام شعورًا متزايدًا بالتوتر والقلق لدى بعض الأشخاص، في حين يجد آخرون أن الصيام يمنحهم إحساسًا بالهدوء والتركيز، مما يساعدهم على تخفيف التوتر.
كما أن الصيام يؤثر على بعض الهرمونات في الجسم مثل الكورتيزول الذي يعرف بهرمون التوتر، وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن الصيام المنتظم قد يساهم في تقليل مستويات هذا الهرمون مما يساعد في تحقيق حالة من الهدوء النفسي.
علاوة على ذلك، يرتبط الصيام لدى العديد من الأشخاص بممارسات روحية وتأملية، مثل الصلاة والتأمل، مما قد يساهم في تعزيز الشعور بالسلام الداخلي والتقليل من مستويات القلق. ومع ذلك إذا شعر الشخص بتوتر مفرط خلال الصيام، فمن الضروري الاستماع إلى احتياجات الجسم والتعامل مع ذلك بطريقة مناسبة، سواء من خلال تحسين النظام الغذائي أو استشارة مختص عند الحاجة.
بشكل عام، يمكن أن يكون للصيام تأثيرات إيجابية على الصحة النفسية والمزاج، إلا أن هذه التأثيرات تختلف من شخص لآخر بناءًا على نمط الحياة والعادات الصحية المتبعة
ومن جهته أكد الدكتور جميل أبو طربوش في حديثه لـ “صدى اشعب” أن الصيام يُعد رسالة ربانية تهدف إلى تعليم الإنسان المسلم القدرة على التحكم في ملذات الحياة وشهواته، بالإضافة إلى تعزيز قوة الإرادة وضبط النفس.
وأشار إلى أن تأثير الصيام على الصحة النفسية يختلف من شخص إلى آخر، وذلك وفقاً لعدة عوامل من بينها تأثيره على المدخنين الذين قد يعانون من ردود فعل عصبية مثل الصراخ أو التصرفات المفاجئة، الأمر الذي قد يجعلهم يظهرون بشخصية مختلفة عما اعتاد المحيطون بهم، خاصة خلال الأيام الأولى من الشهر الفضيل.
وأضاف أبو طربوش أن الصيام مهم في تعزيز العلاقة بين العبد وربه، حيث يحرص العديد من الأشخاص على أداء الشعائر الدينية مثل صلاة التراويح، مما يمنحهم شعورًا بالرضا عن النفس والطمأنينة الداخلية ، كما أن هذا الشعور ينعكس إيجابيًا على الصحة النفسية، إذ يعزز الشعور بالراحة والسكينة.
وأوضح الدكتور أبو طربوش أن الصيام لا يؤثر فقط على الجانب الروحي، بل يمتد تأثيره ليشمل الجانب الاجتماعي أيضًا، فمن خلال التجمعات العائلية اليومية على مائدة الإفطار، يزداد التقارب بين أفراد الأسرة، ما يساهم في تحسين الحالة المزاجية وتعزيز التفاعل الاجتماعي، كذلك تلعب صلة الأرحام دورًا بارزًا في تحسين الصحة النفسية.
حيث تعزز الروابط الأسرية وتقوي العلاقات بين الأقارب من مختلف الدرجات، سواء من خلال الزيارات أو موائد الإفطار الجماعية.
وأشار إلى أن هذا التفاعل الاجتماعي المتزايد خلال الشهر الفضيل يسهم في تعزيز الشعور بالانتماء والدعم الاجتماعي، مما ينعكس إيجاباً على الحالة المزاجية والنفسية للأفراد، ويجعل من رمضان فرصة لتعزيز الروابط الأسرية والمجتمعية.
رمضان ليس مجرد شهر في التقويم، بل محطة نفسية تعيد ترتيب الفوضى الداخلية، وتمد الإنسان بطاقة جديدة لمواصلة الحياة بروح أكثر إشراقاً.