أشد أعراض فيروس كورونا تظهر جلية على مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2021 .عجز مضاعف وزيادة مؤكدة في المديونية، ونفقات جارية مرتفعة، ونسبة نمو منخفضة.
السنة الكارثية 2020 تلقي بكوابيسها على العام المقبل، تراجع في الإيرادات الضريبية، وعوائد السياحة أقرب إلى لا شيء وتدني حوالات المغتربين، وانكماش ترجم بمعدلات نمو سالبة.
لم يسبق للأردن في تاريخه المعاصر أن عاش أزمة مماثلة، لا بل ان الاقتصاد العالمي لم يواجه مثل هذه الكارثة منذ الكساد الكبير قبل قرن من الزمان.
رغم تلك الأوجاع القاتلة التزمت الدولة بوعدها صرف العلاوات لموظفي القطاع العام وزادت مخصصات العون الاجتماعي ورصدت المخصصات لحزمة حماية اجتماعية تزيد على 180 مليون دينار، وتحوطت لكورونا بنحو 165 مليون دينار.
لن تصمد تقديرات الموازنة بخصوص العجز عند حاجز المليارين، المؤكد أن العجز الفعلي سيفيض عن حده كما جرت العادة في كل الموازنات، فما بالك في سنة كهذه؟. اقتصاديات العالم كله لا تجد بديلا عن الاستدانة لتغطية العجز. الاقتصاد الأردني يحظى بتقييم جيد بحسب مؤشرات التصنيف العالمي ما يؤهله للتحرك في الأسواق العالمية دون مشاكل.
أعراض التقشف بادية بوضوح على الموازنة، خاصة في شق الإنفاق الرأسمالي، وضبط النفقات الجارية. هي محاولة جادة لمنع التوسع في الإنفاق، لكن الرواتب ومخصصات التقاعد المدني ترهق كاهل الخزينة، ولا تترك مجالا للمشاريع الرأسمالية والتنموية، إلا ما كان مقررا من أعوام سابقة وفي طور الإنشاء.
الرهان الوحيد، في الأردن وسائر البلدان هو على تحسن الوضع الوبائي مع قرب توزيع اللقاحات عالميا، ما يفتح الباب لعودة النشاط الاقتصادي بزخمه المعهود واستئناف حركة السفر والطيران والسياحة وانسياب السلع، والتراجع كليا عن تدابير الإغلاق والحظر، بما يمكن من استعادة الدورة الاقتصادية، وتحريك عجلة الاستثمار.
التحديات التي تواجه الاقتصاد في السنة المقبلة، لا تتوقف عند الموازنة، بل تتجاوزها لما هو أخطر وأكثر أهمية، وأعني الارتفاع المتوقع في معدلات البطالة والفقر وكلف المعيشة. عديد القطاعات ستدفع في 2021 ثمن أزمة 2020 وستضطر إلى تسريح العمالة وإغلاق المنشآت ومن غير المستبعد أن نشهد موجة واسعة لتصفية الأعمال في قطاعات محددة تعتمد في نشاطها على السياحة والخدمات.
الحلول للأزمة لن تجدها في أرقام الموازنة وأبوابها، بل في جعبة المخططين الاقتصاديين وراسمي السياسات. هناك يمكن أن نحدث الفارق ونبدأ رحلة التعافي من أزمة كورونا.
علينا أولا أن نتخطى المرحلة التي كان فيها الفيروس يتحكم بسياساتنا وقراراتنا، ونبدأ نحن بالسيطرة على الموقف، ولنجعل من أول يوم في العام الجديد نقطة البداية للانطلاق ونتخلص كليا من إجراءات الإغلاق والحظر ونفتح الأسواق ونستعيد دورة النشاط الاقتصادي بكامل طاقتها. نحتفظ بالكمامة فقط وبحذرنا في التواصل ونهجر ما تبقى من تدابير. وصول اللقاحات مع بداية العام يمكن أن يعزز هذا الاتجاه.
التحدي الأكبر أمامنا هو تحفيز الاقتصاد وحركة الاستثمار لمواجهة مشكلة البطالة وذلك لن يتحقق إلا بخلق فرص عمل، في كل القطاعات، وتسريع إجراءات ترخيص المشاريع، والانخراط في شراكة حقيقية مع القطاع الخاص، وتقديم التسهيلات للمستثمرين، والبحث في إمكانية تقديم إعفاءات تضمن استمرار العمل في قطاعات حيوية تشغل العمالة.
رفع معدلات النمو مطلب أساسي، لكن ذلك مشروط بنشاط اقتصادي واسع تطال منافعه الأغلبية الواسعة من المواطنين، بحيث لا تبقى عوائده محصورة بفئة صغيرة من الأغنياء.
رئيس الوزراء كشف في لقائه مع الصناعيين أول من أمس عن نية الحكومة طرح حزمة من الإجراءات لتحفيز الحركة الاقتصادية. هنا مربط الفرس، تحفيز الاقتصاد وتدشين المشاريع الوطنية الكبرى، وتحريك عجلة التنمية في المحافظات.