صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
تتهيأ أروقة العبدلي لدورة تشريعية توصف بأنها “الأكثر سخونة” منذ سنوات، إذ تُلقى على طاولة مجلس الأمة حزمة من مشاريع القوانين ذات الأثر العميق على حياة الأردنيين واقتصادهم، في مقدمتها تعديلات قانون الموازنة العامة، وقانون الضمان الاجتماعي، وقانون الادارة المحلية، ومشروعا الضريبة العامة والمبيعات، إضافة إلى قوانين قد يعاد الحديث عنهم مثل العمل والملكية العقارية والأصول الافتراضية.
قوانين “ثقيلة في الميزان”، تحمل وعود الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، لكنها أيضًا تثير شكوكاً حول مدى واقعية تطبيقها في بيئة اقتصادية مثقلة بالديون والتحديات المعيشية.
الموازنة العامة.. اختبار مبكر للعلاقة بين السلطتين
وفي خضم الزخم التشريعي الذي ينتظر الدورة العادية الثانية، تتجه الإنظار لمشروع قانون الموازنة العامة للسنة المالية المقبلة كأحد أكثر الملفات حساسية وثقلاً على طاولة النواب.
وتسعى الحكومة، وفق تصريحاتها، إلى إقرار المشروع قبل نهاية العام، بينما تعهّد رئيس مجلس النواب مازن القاضي بالعمل على تحقيق ذلك، بما يعكس رغبة واضحة في تسريع وتيرة التشريع.
غير أن النقاش داخل المجلس لا يبدو متجهاً نحو الوقت بقدر المضمون، إذ ترتفع أصوات نيابية تطالب بمناقشة بنود الموازنة بطريقة مختلفة هذه المرة؛ قائمة على الفهم والتحليل، لا على الخطب التقليدية التي لا تقترب من جوهر الأرقام ولا من حقيقة التحديات.
فالموازنة الحالية، كما يتداولها النواب والمراقبون، تأتي في ظل ضغوط مالية غير مسبوقة، وديونٍ متراكمة تجاوزت فوائدها السنوية حاجز المليار دينار، وسط مطالب شعبية بتحسين مستوى المعيشة وزيادة الرواتب التي لم تتحرك منذ خمسة أعوام، رغم تضخم الأسعار وتآكل القوة الشرائية.
والبيئة السياسية المحيطة بالمشروع توحي أيضًا بإمكانية بروز توتر مبكر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، بعد مؤشرات على رفض عدد من النواب لسياسات الحكومة المالية، وما اعتبروه استمرارًا في “الترف الإداري” والاقتراض دون خطط إنتاجية موازية.
وبينما تراهن الحكومة على تمرير الموازنة في موعدها، يتمسك نواب بضرورة قراءة مشروع القانون بندًا بندًا داخل اللجنة المالية، وعدم الالتفات إلى وعود الإسراع في الإقرار على حساب النقاش الجاد، خصوصًا في ما يتعلق بالضرائب غير المباشرة ورفع الأسعار عبر قرارات حكومية أو من خلال الشركات المرتبطة بها.
في المقابل، يحمّل بعض النواب الحكومة مسؤولية غياب الرؤية الواضحة لتخفيف كلفة المعيشة وتحفيز الاستثمار، مطالبين بإجراءات عملية تترجم التعهدات إلى واقع ملموس.
ويرى العديد أن الموازنة المقبلة ستكون اختبارًا سياسيًا مبكرًا لطبيعة العلاقة بين الحكومة والمجلس، وأن طريقة التعاطي معها قد تحدد شكل المرحلة المقبلة تحت القبة، سواء نحو مزيد من التفاهم أو نحو مواجهة علنية تعكس حجم الفجوة بين الخطاب الرسمي والواقع الاقتصادي الصعب.
الإدارة المحلية.. صلاحيات أكبر أم مركزية جديدة !
قانون الإدارة المحلية الذي لم يقف الجدل حوله خلال الفترات الماضية وكانت ابرزها حول تعيين ام انتخاب رؤساء البلديات وسيخضع لمراجعة جديدة بعد ملاحظات متكررة على ضعف الصلاحيات الفعلية للمجالس المنتخبة.
ورغم أن الحكومة تتحدث عن “نقل صلاحيات تدريجي”، إلا أن رؤساء بلديات يرون أن ما يجري هو “إعادة إنتاج المركزية بثوب جديد”، في ظل غياب الموارد المالية المستقلة وضعف التنسيق بين المحافظات والوزارات.
ويرى العديد أن أي تعديل شكلي لن يعالج جوهر المشكلة، وأن الإصلاح الحقيقي يبدأ من تمكين المجالس المحلية ماليًا وإداريًا، وليس عبر منحها صلاحيات محدودة بلا أدوات تنفيذية.
الضمان الاجتماعي.. بين استدامة الصندوق وحقوق المشتركين
وتترقب الأوساط الاقتصادية والنقابية نتائج الدراسة الاكتوارية الحادية عشرة التي أعدتها مؤسسة الضمان الاجتماعي، والتي من المتوقع أن تشكّل القاعدة الأساسية لأي تعديلات تشريعية مقبلة على القانون.
وتسري تقديرات أولية بأن الدراسة ستكشف ضغوطًا مالية متزايدة على الصندوق خلال العقدين المقبلين، ما يدفع المؤسسة نحو اقتراح إجراءات “تصحيحية” تتضمن مراجعة سن التقاعد المبكر ورفع نسب الاشتراك في بعض القطاعات.
ولكن النقابات والفعاليات العمالية ترى في ذلك تهديدًا مباشرًا للحقوق المكتسبة للمشتركين، معتبرة أن استدامة الصندوق لا يجوز أن تكون على حساب الطبقة العاملة.
وفي المقابل، تدافع المؤسسة عن توجهها بالقول إن “أي إصلاح مستقبلي سيكون متدرجًا ومتوازنًا”، مؤكدة أن الدراسة تهدف لتأمين الجيلين الحالي والمقبل دون المساس بالعدالة التأمينية.
ومع ذلك، يبرز تساؤل جوهري، هل يمكن تحقيق التوازن بين إنقاذ الصندوق وتخفيف الأعباء الاجتماعية في ظل ضعف النمو الاقتصادي وتراجع فرص العمل؟
الضرائب.. وعود بتخفيف الأعباء تواجه واقع العجز
وبالعودة إلى ملفات الضريبة والمبيعات تعيد إلى الواجهة نقاشًا لم يُغلق منذ 2018، حين وعدت الحكومة بأن تكون الإصلاحات الضريبية “عادلة وتدعم الطبقة الوسطى.
واليوم، وبعد سنوات من التطبيق، تكشف الأرقام – وفق بيانات دائرة ضريبة الدخل والمبيعات – عن ارتفاع في الحصيلة الضريبية مقابل تباطؤ في النمو والقدرة الشرائية.
وتدرس الحكومة تعديل قانون الضريبة الإضافية وآخر للضريبة العامة على المبيعات، بدعوى “تبسيط الإجراءات وتعزيز الالتزام الطوعي”، لكن المخاوف الشعبية تبقى قائمة من أن تتحول “التعديلات التقنية” إلى بوابة لزيادات مقنّعة في الأسعار.
ويرى العديد أن المشكلة ليست في القوانين الضريبية بحد ذاتها، بل في غياب العدالة في التطبيق وتعدد الإعفاءات والتهرب الضريبي، ما يجعل العبء يتركز على الفئات ذات الدخل الثابت.
الملكية العقارية.. قانون قد يعود للجدل من جديد
وأما مشروع قانون الملكية العقارية، فهو عائد من بوابة الجدل الشعبي بعد أن واجه رفضًا واسعًا في نسخته السابقة.
والقانون، الذي يسعى لتحديث أنظمة تسجيل الأراضي وتنظيم الملكيات المشتركة، واجه انتقادات تتعلق بإمكانية فتح الباب أمام زيادة سيطرة الشركات الكبرى والمستثمرين الأجانب على العقارات في مناطق محددة.
وكما اعترض خبراء قانونيون على بعض المواد المتعلقة بملكية الشقق والرسوم، معتبرين أنها “تمسّ الملكية الفردية وتغيب عنها العدالة السكنية”.
ورغم تأكيد الحكومة أن الهدف هو تحفيز السوق العقاري وتبسيط الإجراءات، إلا أن الأصوات المعارضة ترى أن “التحفيز” لا يجب أن يأتي على حساب الطبقة المتوسطة التي أصبحت عاجزة عن امتلاك سكن.
وفي الوقت ذاته، يبرز مشروع قانون الأصول الافتراضية كملف جديد في المشهد التشريعي، مع سعي البنك المركزي لتنظيم تداول العملات المشفرة ضمن إطار قانوني واضح.
القانون المنتظر يهدف إلى الحد من المخاطر المالية وغسل الأموال، لكن اقتصاديين يحذرون من أن التنظيم الصارم قد يخنق الابتكار في قطاع ناشئ، خاصة في ظل توجه شركات التكنولوجيا المالية نحو السوق الأردني.
دورة تشريعية على مفترق طرق
وبهذا الزخم من القوانين، تبدو الدورة البرلمانية المقبلة اختبارًا سياسيًا واقتصاديًا حقيقيًا للحكومة والنواب معًا ، فالحكومة تريد أن تثبت جديتها في الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، لكنها تدرك أن أي خطوة غير محسوبة قد تثير غضب الشارع المتعب من ارتفاع الأسعار وتآكل الدخول.
وأما البرلمان، فهو أمام امتحان الشفافية والاستقلالية في مناقشة قوانين “ثقيلة” قد تحدد شكل العلاقة بين الدولة والمواطن في المرحلة المقبلة.
في النهاية، يبقى السؤال الأهم، هل تمتلك قبة العبدلي القدرة على تمرير إصلاحات جوهرية دون أن يُتهم بالانحياز، فالقوانين المطروحة لا تتعلق فقط بالبنود والمصطلحات القانونية، بل بمستقبل التوازن بين الدولة والمجتمع، والاقتصاد والمواطنة.
وعليه، فإن نجاح الدورة التشريعية لن يُقاس بعدد القوانين التي تُقر، بل بقدرتها على إنتاج تشريعات تحقق العدالة وتستعيد الثقة المفقودة.






