تحولت تونس التي كانت ثالث منتج لمادة الفوسفات عالميا بإنتاج فاق 8 ملايين طن في 2010، إلى مستورد لأول مرة في تاريخها، جراء تعطل الإنتاج لأسباب تشغيلية واحتجاجات مطالبة بالتشغيل.
في أواخر الشهر الماضي، وصلت إلى الميناء التجاري بمدينة قابس جنوب شرقي تونس، سفينة مُحملة بـ16500 طنا من مادة الفوسفات، قادمة من ميناء عنابة الجزائري.
وأعلن عبدالوهاب عجرود الرئيس المدير العام للمجمع الكيميائي التونسي، في تصريحات سابقة، أن البلاد اتبعت خطة لتوريد 500 ألف طن على دفعات من الفوسفات، ما يعادل مخزون استهلاك شهر لوحدات التحويل التابعة للمجمع.
إنتاج متوقف
في منطقة الحوض المنجمي بمحافظة قفصة جنوبي تونس، معقل مناجم الفوسفات في البلاد، يتواصل تعطل الإنتاج مع استمرار التوقف الجزئي في عملية إمداد معامل المجمع الكيميائي، والشركة التونسية الهندية لصنع الأسمدة.
هذا التوقف، دفع المجمع الكيميائي إلى التوقف عن العمل منذ أكثر من 10 أيام.
وحتى 15 أكتوبر 2020، بلغت نسبة الإنتاج 2.8 مليون طن من الفوسفات، وإلى 3 ملايين طن نهاية الشهر الفائت، بحسب مصدر مسؤول بشركة فوسفات قفصة طلب عدم الكشف عن اسمه.
احتجاج متواصل
وتعيش شركة فوسفات قفصة جنوبي تونس صعوبات عديدة، من حيث النفقات وكتلة الأجور وعدد العمال حيث يشتغل بها 33 ألف عامل، إضافة إلى ظاهرة الإضرابات والاحتجاجات التي أدت إلى توقف إنتاج الفوسفات في فترات عديدة، خلال المرحلة الماضية، فجل شباب المنطقة يعتبرون أن التشغيل في هذه الشركة حق ومكسب وطني لهم حتى لو كانت الشركة غير قادرة على استيعاب أعداد إضافية من العمال.
وأصبح الاحتجاج على الطريق الواصل للشركة، وسيلة الضغط الوحيدة على الحكومة، للاستجابة لمطالب التشغيل من جانب مواطنين، ما أثر على نسق الإنتاج الذي وصل لأقل من ثلاثة ملايين طن، نزولا من 10 ملايين قبل 2010.
على الطريق الرابطة بين مقاطع الإنتاج والمغسلة الرئيسية بالرديف (جنوب)، يعتصم العشرات من شباب الرديف لمنع مرور شاحنات نقل الفوسفات من أن تصل إلى المغاسل.
يقول المحتج “منصف بالخيري” “نحن هنا بشكل يومي.. نوزع المحتجين على مدار اليوم لضمان حضورنا الدائم لمنع مرور شاحنات نقل الفوسفات”.
ويضيف “طلبنا من الشركة أن تستأنف عملها وسنسمح بوصول الفوسفات إلى المغاسل، ولكن بشرط، أن لا يتم إخراجه وتسويقه إلا بعد أن يتم الاستجابة لمطالبنا ممثلة بالتشغيل”.
يقول زميله عبدالقادر رحيلي “هذه الدولة تماطلنا منذ أكثر من خمس سنوات، مع كل تغيير حكومي تطلب منا الجهات الرسمية مهلة من 3-4 أشهر، نرفع الاعتصام ونسمح باستئناف العمل، لكن مطالبنا لا تتحقق”.
وتابع “نحن لن نسمح بعمل الشركة.. إما حقنا في العمل وتوفير الوظائف أو أننا هنا مرابطون، لن ترهبنا سياسة الحكومة”.
بحسب بيانات معهد الإحصاء الحكومي في تونس، ارتفع عدد العاطلين عن العمل إلى 18 بالمئة خلال الربع الثاني 2020، مقابل 15.3 بالمئة في الربع الأول، بعدد عاطلين عن العمل 746.4 ألفا.
أزمة متفاقمة
حكومات متعاقبة تفشل في حل الأزمة
حكومات متعاقبة تفشل في حل الأزمة
تتراكم جبال الفوسفات الجاهزة للتصدير داخل المغسلة الرئيسية بالرديف، لكن لا سبيل إلى ذلك، والمعتصمون يمنعون إخراجها.
يقول أحد العاملين بالشركة “هذه نتيجة خيارات الجهات الحاكمة بعد الثورة بسياستها التشغيلية التي اتبعتها، وعمقت أزمة المناخ الاجتماعي والتشغيل العشوائي، وهو ما دفع آلاف العاطلين عن العمل للمطالبة بانتدابهم”.
ويضيف “هنا 1.5 مليون طن جاهزة للتصدير، الأمر نفسه بالنسبة إلى مدينة أم العرائس، حيث يوجد 1.3 مليون طن جاهزة للتصدير أيضا.. نحن لا نعيش أزمة إنتاج، بل أزمة تسويق”.
وتباينات المواقف في الشارع التونسي إزاء تعطيل المحتجين لهذا القطاع الحيوي، حيث يدعم البعض مطالبهم ويرى أن الضغط عبر وقف الإنتاج من شانه أن يجبر الدولة إلى الاستماع لهم فيما يرفض شق كبير هذا التمشي ويتهم الحكومات المتعاقبة بالضعف والخضوع للابتزاز.
ولم ينظر المهتمون بنشاط الفوسفات في تونس، إلى خبر استيراده، إلا كفعل إعلامي ضاغط، بعد التوقيف الممنهج لنسق حركية الإنتاج.
يقول جمال فتّاح، وهو ناشط مجتمعي “خبر استيراد الفوسفات كان نتيجة حتمية ومنتظرة، بسبب تفاقم أزمة الشركة الفوسفات في قفصة داخليا ومع محيطها”.
ويرى فتاح أن “إبرام اتفاقية بين شركة فوسفات قفصة والشركة الوطنية للسكك الحديدية، وشركة نقل المواد المنجمية وشركة أشغال سكك الحديد (شركة تهتم بصيانة السكة)، مع محيطها الاجتماعي، قد يمثل أحد الحلول للأزمة”.
وتابع “كما يمكن إنتاج 16 مليون طن من الفوسفات، وسيسهم في خلق 1500 فرصة عمل جديدة.. بذلك سيتم الحد من الاضطرابات الاجتماعية، ولكن الشركة لا رؤية استراتيجية لها”.
وشركة فوسفات قفصة، ذات صبغة صناعية مختصة في إنتاج الفوسفات، تأسست عام 1987، برأس مال 268 مليون دينار (95.7 مليون دولار)، وتشغّل 7400 عاملا بطاقة إنتاج حالية 8.3 ملايين طن.
وتعاني الشركة، منذ 2011، من تراجع لافت في حجم إنتاجها من الفوسفات التجاري، جراء الاضطرابات الاجتماعية واحتجاجات طالبي الشغل بالجهة.
ولم يتجاوز معدل إنتاجها السنوي من الفوسفات خلال الفترة الممتدة بين 2011-2019 نحو 3.5 ملايين طنّ سنويا مقابل إنتاج 8.3 ملايين طن عام 2010؛ فيما تبلغ احتياطات تونس من الفوسفات 7 مليارات طن.