الزراعة لـ”صدى اللشعب”: زراعة مليوني غرسة خلال عامين ضمن مشروع التشجير
العوران: الغطاء الأخضر ضرورة في وجه التغيرات المناخية
صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
في ظل ما يشهد العالم اليوم من تغيرات مناخية غير مسبوقة، أثّرت بشكل مباشر على النظم البيئية والقطاعات الحيوية ، وفي مقدمتها الزراعة والمياه، ويُعد الأردن من بين الدول الأكثر تأثرًا بهذه الظاهرة، نتيجة لموقعه الجغرافي في منطقة جافة وشبه قاحلة، وتراجع معدلات الهطول المطري، وارتفاع درجات الحرارة، وتكرار موجات الجفاف.
وأمام هذا الواقع، تتزايد الحاجة إلى تبني استراتيجيات وطنية للتكيف مع آثار التغير المناخي، ويبرز في هذا الإطار دور التشجير، وتوسيع الرقعة الخضراء كأحد الحلول البيئية المستدامة لمكافحة التصحر، وتحسين جودة الهواء، وتعزيز الأمن المائي والغطاء النباتي.
وكانت وزارة الزراعة اطلقت العام الماضي مبادرة لزراعة 10 ملايين شجرة خلال الـ10 أعوام المقبلة، في إطار حملة باسم “التشجير الوطني” لحد من التبعات المناخية، وضبط الإيقاع الأخضر، لكي يوائم عملية المحافظة على الثروة الوطنية الخضراء وزيادة رقعتها، وحماية التربة من التصحر، والحد من ارتفاع درجات الحرارة.
تطوير 4 مشاتل وزيادة الإنتاج إلى 5 ملايين غرسة
وبهذا الإطار، قال مدير مديرية الحراج في وزارة الزراعة، المهندس خالد المناصير، إن مشروع التشجير الوطني الذي أطلقته الحكومة يُعد مبادرة وطنية نابعة من تعاون مشترك بين عدد من الجهات الرسمية، وبمبادرة من سمو الأميرة بسمة بنت علي عبر الحديقة النباتية الملكية، وبمشاركة فاعلة من وزارتي الزراعة والبيئة، والمؤسسات الحكومية، والقطاع الخاص.
وأوضح المناصير خلال حديثه لـ”صدى الشعب” أن المبادرة تم تنظيمها وتأطيرها من خلال رئاسة الوزراء، التي أوعزت بتشكيل لجنة توجيهية برئاسة أمين عام وزارة الزراعة، وبدأ تنفيذها منذ موسم 2023 – 2024، حيث تدخل حالياً عامها الثالث.
وبيّن أن الخطة السنوية تستهدف زراعة مليون غرسة في المواقع ذات القابلية العالية للنجاح والاستدامة، من خلال اختيار الأنواع المناسبة لطبيعة المناطق، والتأكد من توفر مصادر ري دائمة، لا سيما في ظل تذبذب الأمطار خلال السنوات الأخيرة.
وأضاف أن المشروع حقق هدفه خلال المرحلتين الأولى والثانية، بزراعة مليوني غرسة، بواقع مليون غرسة في كل موسم، مشيراً إلى أن العمل تم بالتعاون مع مختلف الوزارات والمؤسسات، من خلال فرق فنية ولجنة توجيهية تشرف على تقييم المواقع والتأكد من ملاءمتها.
وأكد أن كوادر وزارة الزراعة، وخاصة في مديرية الحراج ومديريات الزراعة في المحافظات، لعبت دوراً محورياً في إنجاح المبادرة، إلى جانب 14 مشتلاً موزعة في مختلف أنحاء المملكة، حيث تم تطوير أربع مشاتل رئيسية لرفع الطاقة الإنتاجية من 3 إلى 5 ملايين غرسة سنوياً.
وأشار إلى إدخال أصناف جديدة من الأشتال الحرجية ذات المردود البيئي والاقتصادي، مثل الخروب، الذي تم التركيز عليه في شمال المملكة، حيث زُرعت غراس الخروب في محافظات البلقاء وجرش وعجلون وإربد، بهدف تعزيز الأمن الغذائي وتوفير الأعلاف للثروة الحيوانية.
400 ألف دونم من الغابات الطبيعية بالمملكة
وفي سياق حماية الغابات، أشار إلى أنه يتم سنوياً رفع الجاهزية في فصل الصيف من خلال تعميمات لمديريات الزراعة وأقسام الحراج لإزالة الأعشاب القريبة من الطرق، والتنسيق مع الجهات الرسمية كالمحافظين ومديريات الأشغال والبلديات ومكاتب البيئة للحد من خطر اندلاع الحرائق.
وبيّن أن نسبة الحرائق انخفضت بشكل كبير، إلا أن بعض الحرائق المفتعلة لا تزال تقع في مواقع ذات تضاريس صعبة، مؤكداً أن التنسيق قائم مع الجهات الأمنية والإدارة الملكية لحماية البيئة لضمان الاستجابة الفورية خلال العطل ونهاية الأسبوع.
وأضاف أن هناك نحو مليون و26 ألف دونم من الأراضي الحرجية القابلة للتحريج في الأردن، يُستهدف زراعتها وفق الأولويات التي تراعي توفر مصادر الري والحماية، كما تمتلك المملكة 400 ألف دونم من الغابات الطبيعية، و480 ألف دونم من الغابات الاصطناعية، وهي الغابات المستزرعة منذ ستينيات القرن الماضي.
وأوضح أن الغابات المزروعة مثل مصبّة وجرش وزي وغابات طريق المطار، تم إنشاؤها في الفترة ما بين 1960 و1969، ونجحت بسبب وفرة الأمطار آنذاك، خلافاً للتحديات الحالية المرتبطة بالتغير المناخي وشح المياه.
وأكد أن الوزارة تعمل حالياً على زراعة غابات جديدة باستخدام المياه المعالجة، مثل غابة اليوبيل في القطرانة وغابة الكورة، ومواقع أخرى في الحسا، محققةً نسب نجاح تجاوزت 95%، بفضل الإدارة السليمة والحماية المستمرة.
الأردن من أكثر الدول تأثرًا بالتغيرات المناخية والتشجير أولوية
من جهته قال مدير عام اتحاد المزارعين الأردنيين، محمود العوران، إن الأردن، كغيره من دول العالم، تأثر بالتغيرات المناخية، إلا أنه يُعد من أكثر الدول تأثرًا بهذه الظاهرة، الأمر الذي يستدعي تحركًا فاعلًا للتخفيف من آثارها.
وأضاف العوران، خلال حديثه لـ”صدى الشعب” أن مواجهة التغيرات المناخية تتطلب زيادة في المساحات الخضراء، كونها تسهم في الحد من الاحتباس الحراري، من خلال إطلاق غاز الأوكسجين في الغلاف الجوي، وامتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون.
ودعا إلى دعم الحملة الوطنية للتشجير، بوصفها إحدى الأدوات الرئيسة في مواجهة تداعيات التغيرات المناخية، سواء من حيث ارتفاع درجات الحرارة أو عدم انتظام الهطول المطري، أو تفاقم شح المياه.
وأوضح أن الأشجار المناسبة للبيئة الأردنية، خاصة في المناطق القاحلة، هي تلك المعروفة بقدرتها على تحمل الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة، مبينًا أن هناك بعض الأصناف من الأشجار الحرجية يمكن وصفها بأنها دخيلة على البيئة المحلية، ولا تتلاءم مع طبيعة المناخ في المملكة.
وأكد أهمية تجنب زراعة الأشجار التي تتطلب معدلات هطول مطري مرتفعة أو غير الملائمة للبيئة المحلية، لما لذلك من أثر سلبي على نجاح حملات التشجير واستدامتها.
الموارد المالية والاعتداءات ابرز التحديات
وفيما يتعلق بالتصحر، أشار إلى أن التوسع في المساحات الخضراء يسهم في تعزيز الغطاء النباتي والحد من التصحر، كما أن له أثرًا مباشرًا في تحسين جودة التربة وخصوبتها، خصوصًا من خلال زراعة الأشجار الحرجية متساقطة الأوراق، أو عبر الشجيرات الرعوية التي تساعد على إثراء التربة.
وشدد على أهمية ضمان استدامة الأشجار المزروعة وعدم نفوقها، لافتًا إلى أن المرحلة الأولى بعد الزراعة تتطلب عناية واهتمامًا خاصين، بالتوازي مع اعتماد تقنيات الحصاد المائي لضمان توفير المياه.
وأشار إلى أن الأردن حقق تقدمًا في مجال الطاقة البديلة، ما يتيح إمكانية استخدام الطاقة لتشغيل أنظمة استخراج المياه من الحُفَر المخصصة للحصاد المائي، بهدف ري الأشجار المزروعة.
وبيّن أن أبرز التحديات التي تواجه مشاريع التشجير تتضمن الحاجة إلى موارد مالية كافية، فضلًا عن الاعتداءات التي تتعرض لها الأشجار الحرجية من قبل البعض، سواء من خلال التحطيم أو افتعال الحرائق.
وأكد أن العناية بالأشجار باتت ضرورة وطنية في ظل الظروف المناخية التي يشهدها الأردن، داعيًا إلى تكامل الجهود بين مختلف الوزارات والمؤسسات، بما يضمن نجاح المشاريع البيئية والتشجيرية في جميع مناطق المملكة.






