صدى الشعب – كتب: د. عَايِشُ النَّوَايِسَةُ خَبِيرٌ وَمُسْتَشَارٌ تَرْبَوِيٌّ
تَفرِضُ التَّطوُّراتُ الرَّقميَّةُ، وَما يَرتبِطُ مِنها بِشَكلٍ خاصٍّ في مَجالِ التَّعلُّمِ وَالتَّعليمِ، تَحوُّلًا كَبيرًا في جَميعِ النُّظُمِ، وَمِنها التَّعليمُ الَّذي وَجَدَ نَفسَهُ أَمامَ تَحَدٍّ كَبيرٍ يَرتبِطُ بِالانتِقالِ مِنَ الطَّريقةِ التَّقليديَّةِ إِلى نَمطٍ جَديدٍ نَشِطٍ يَتَمحورُ حَولَ الطَّلبةِ بِوَسائِلَ وَأَدَواتٍ مُستَحدَثةٍ؛ إِذ إِنَّ الطُّرُقَ النَّمطيَّةَ التَّقليديَّةَ لَم تَعد قادِرَةً على مُواجَهَةِ التَّغيُّراتِ أَو تَقديمِ تَعليمٍ نَوعيٍّ يَتَلاءَمُ مَعَ طَبيعَةِ العَصرِ وَاحتِياجاتِ المُتَعلِّمينَ وَاهتِماماتِهِمُ المُتَنوِّعَةِ، وَلَم تَعدِ المَناهِجُ التَّقليديَّةُ قادِرَةً على تَلبِيَةِ احتيـاجاتِهِمِ التَّعليميَّةِ.
لِذَلِكَ أَصبَحَ التَّحوُّلُ نَحوَ تَوظِيفِ التِّقنِيّاتِ في التَّعليمِ وَالمَناهِجِ حاجَةً مُلِحَّةً، فَاتَّجَهَت وَزارَةُ التَّربيةِ وَالتَّعليمِ إِلى رَقمَنَةِ المَناهِجِ التَّعليميَّةِ وَإِدخالِ مَنهَجِ المَهاراتِ الرَّقميَّةِ في تَعلُّمِ الطَّلبةِ، لِتَـمكينِهِم مِنَ المَهاراتِ الأَساسيَّةِ لِلتَّعامُلِ مَعَ الأَدَواتِ وَمُجرياتِ هَذا العَصرِ. وَقَد ظَهَرَ جُهدُ الوِزارَةِ في هَذا المَجالِ مِن خِلالِ التَّوسُّعِ في الخِدماتِ الرَّقميَّةِ التَّعليميَّةِ وَالإداريَّةِ، مِثلَ: إِنشاءِ المَنصَّاتِ التَّعليميَّةِ الخاصَّةِ بِالطَّلبةِ وَأولياءِ الأُمورِ، وَرَقمَنَةِ المَناهِجِ، وَتَطويرِ نِظامِ الإشرافِ الإِلكترونيِّ، وَإِنشاءِ بَنكِ الأَسئِلَةِ لِلمَرحَلَةِ الثَّانَوِيَّةِ العَامَّةِ. كَما تَبَنَّتِ الوِزارَةُ سِياسَةَ الدَّولةِ مِن خِلالِ وَزارَةِ الاقتِصادِ الرَّقميِّ، الَّتي أَعدَّتِ اِستراتيجيَّةً لِتَوظِيفِ الذَّكاءِ الاصطِناعيِّ في قِطاعاتِ الدَّولةِ، وَمِنها التَّربيةُ وَالتَّعليمُ لِلأَعوامِ (2023 – 2027). وَمِن أَجلِ ذَلِكَ بَدَأَتِ الوِزارَةُ بِمَشاريعَ خاصَّةٍ، أَبرَزُها: تَطويرُ مَناهِجِ الحاسوبِ وَالمَهاراتِ الرَّقميَّةِ، وَإِدماجُ المَفاهيمِ الأَساسيَّةِ وَالتَّطبيـقاتِ العَامَّةِ وَالمَهاراتِ اللّازِمَةِ لِفَهمِ الذَّكاءِ الاصطِناعيِّ، مَعَ تَسليطِ الضَّوءِ على أَهمِّيَّةِ البَياناتِ وَالميثاقِ الوَطنيِّ لِأَخلاقيَّاتِ الذَّكاءِ الاصطِناعيِّ، عَلى شَكلِ وَحداتٍ دِراسيَّةٍ مُتخصِّصَةٍ تُضافُ إِلى المَناهِجِ المَدرسيَّةِ، وَذَلِكَ بِالتَّنسيقِ مَعَ وَزارَةِ التَّربيةِ وَالتَّعليمِ وَالمَركَزِ الوَطنيِّ لِلمَناهِجِ. كَما جَرَى اِستِعمالُ أَدَواتِ الذَّكاءِ الاصطِناعيِّ لِلتَّنبُّؤِ بِأَعدادِ الطَّلبةِ المُتَوَقَّعِ التحاقُهُم بِالدِّراسَةِ بِنَاءً على أَوضاعِهِمُ الاجتِماعيَّةِ وَأماكِنِ سَكَنِهِم.
وَيَظهَرُ أَنَّ اِستِخدامَ الأَنظِمَةِ الذَّكِيَّةِ الرَّقميَّةِ في عَمَلِيَّةِ التَّعليمِ يُؤدِّي إِلى انعِكاساتٍ إِيجابيَّةٍ كَبيرةٍ؛ إِذ تُوفِّرُ هَذِهِ الأَنظِمَةُ تَعليمًا يُراعي الاِحتِياجاتِ الفَرديَّةَ لِلطَّلبةِ، وَيَعمَلُ على مُعالجَتِها. فَهِيَ تَستَندُ إِلى الذَّكاءِ الاصطِناعيِّ لِتحليلِ مُستَوى الطَّالبِ، وَتَحديدِ نِقاطِ قُوَّتِهِ وَضَعفِهِ، وَبِالتَّالي تَصمِيمِ تَعليمٍ يَتَناسبُ مَعَ قُدراتِهِ وَاحتِياجاتِهِ. فَإِذا كانَ الطَّالبُ ضَعيفًا في الرِّياضيَّاتِ – عَلى سَبيلِ المِثالِ – يَقدِمُ لَهُ النِّظامُ تَمارينَ إِضافيَّةً مُبسَّطَةً تُساعِدُهُ على الفَهمِ بِشَكلٍ أَفضَلَ، مَعَ التَّركيزِ على مَعالجَةِ نِقاطِ ضَعفِهِ. كَما أَنَّ هَذِهِ الأَنظِمَةَ تَجعَلُ التَّعليمَ أَكثرَ مُتعةً؛ مِن خِلالِ التَّنوُّعِ في الوَسائِلِ وَالأَنشِطَةِ، وَاستِخدامِ الأَلعابِ وَغَيرِها مِنَ الأَدَواتِ الَّتي تُحفِّزُ الطَّلبةَ وَتُوَلِّدُ لَدَيهِم دافِعيَّةً أَعلَى لِلتَّعلُّمِ.
وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا النَّوعَ مِنَ التَّعليمِ يَحتاجُ إِلى بِيئَةٍ مُناسِبَةٍ تَشمَلُ بُنيَةً تِكنولوجيَّةً مُتَطوِّرَةً، مِثلَ تَوفِيرِ إِنترنتٍ عالِي السُّرعَةِ لِضَمانِ تَشغيلِ الأَنظِمَةِ الذَّكِيَّةِ بِسَلاسَةٍ، وَتَزويدِ المَدارِسِ بِأَجهِزَةٍ مِثلَ الحَواسِيبِ اللَّوحِيَّةِ (Tablets)، وَالسَّبُّوراتِ الذَّكِيَّةِ، وَأَجهِزَةِ الواقِعِ الاِفتراضيِّ (VR) لِتَحسينِ تَجرِبَةِ التَّعلُّمِ. كَما يَتَطلَّبُ ذَلِكَ تَوظِيفَ مَنصَّاتٍ تَعليمِيَّةٍ تَعتَمِدُ على الذَّكاءِ الاصطِناعيِّ لِتحليلِ مُستَوى الطَّالبِ وَتَقدِيمِ مُحتوًى خَاصٍّ بِهِ. وَمِنَ الضَّروريِّ أَيضًا تَدرِيبُ المُعَلِّمينَ على اِستِخدامِ أَنظِمَةِ التَّعليمِ الذَّكِيِّ وَتَطبِيقِ أَدَواتٍ مِثلَ تَحلِيلِ البَياناتِ وَالتَّعليمِ التَّفاعُلِيِّ.
وَلا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ يَنعَكِسُ إِيجابًا على تَطويرِ التَّعليمِ وَتَحسِينِ جَودَتِهِ عَبرَ تَوظِيفٍ فَعّالٍ لِلأَنظِمَةِ الرَّقميَّةِ. إِلَّا أَنَّ هُناكَ تَحدِّياتٍ كَبيرَةً أَمامَ التَّحوُّلِ الرَّقميِّ في التَّعليمِ، أَبرَزُها: الحاجَةُ إِلى زِيادَةِ موازَنَةِ التَّعليمِ، وَالتَّوسُّعِ في إِنشاءِ المَدارِسِ لِلتَّخفيفِ مِنَ الاِكتِظاظِ، وَتَوفِيرِ بِيئَةٍ مُناسِبَةٍ لِهَذا التَّحوُّلِ، إِلى جانِبِ الحاجَةِ إِلى تَدرِيبٍ مُتَخصِّصٍ لِلمُعَلِّمينَ.





